فصل : وأما
أبوة المرضع فمعتبرة بنسب المولود فإن لم ينقطع نسبه بالموت على التفصيل المقدم لم تنقطع أبوة المرضع ، وكان فيما تبع الولد النسب علة ما قدمناه وإن انقطع نسب المولود على التفصيل المقدم ، كان في بنوة المرضع ما ذكرناه من الأقاويل الثلاثة ، وعليها تبنى مسألة الكتاب في تزويجه بنتا من الواطئين ، فإن قلنا بالقول الأول إنه ابن لهما حرم عليه بنات كل واحد منهما ، وكان محرما لهن .
[ ص: 397 ] وإن قلنا بالقول الثاني : إنه نسب إلى أحدهما فإذا انتسب إليه حرمت عليه بناته فصار محرما لهن لثبوت الأخوة بينهم ، ولم يصر محرما لبنات الآخر ، وفي تحريمه عليهن وجهان : أحدهما : يحرم عليهن تغليبا لحكم الحظر قبل الانتساب . والثاني : لا يحرمن لانقطاع النسب بينه وبينهن ، وإنما منع منهن ورعا ، وهو الظاهر من كلام
الشافعي ، وإن قلنا بالقول الثالث : إنه ينقطع عنه أبوة كل واحد منهما لم يصر محرما لبنات واحد منهما وفي إباحة تزويجه بناتهما أربعة أوجه : أحدها : أنه لا يحرم بنات واحد منهما لانقطاع الأبوة ، ويجوز له أن يجمع بين بنت كل واحد منهما ، وإنما يمنع من تزويجهما ورعا لا تحريما ، وهو ظاهر كلام
الشافعي . والوجه الثاني : أنه يحرم عليه بنات كل واحد منهما ، وإن لم يصر محرما لها تغليبا لحكم الحظر المشتبه . والوجه الثالث : وهو قول
أبي إسحاق المروزي أن له أن يتزوج بنت أيهما شاء ، ولا يجمع بينهما وبين بنت الآخر ، فإذا فارقهما حل له نكاح بنت الآخر ، فجعله مخيرا في نكاح بنت كل واحد منهما ، ومنعه من الجمع بينهما . قال : لأن الواحدة لا يتعين الحظر فيها ، وتعين في الشيئين فمنع من الجمع ولم يمنع من الانفراد ، وضرب بذلك مثالا لرجلين رأيا طائرا ، فقال أحدهما : إن كان هذا الطائر غرابا فعبدي حر ، وقال الآخر : إن لم يكن غرابا فعبدي حر ، فطار ولم يعلم هل كان غرابا أو غير غراب لا عتق على واحد منهما ؛ لانفرادهما بمشكوك في عتقه فإن اجتمعا تعين عليه عتق واحد منهما لاجتماعهما في ملك . والوجه الرابع : وهو قول
أبي علي بن أبي هريرة أن له أن ينكح بنت أيهما شاء ، فإذا نكحها حرمت عليه بنت الآخر كالمجتهد في إنائين من ماء إذا استعمل أحدهما حرم عليه استعمال الآخر ، والله أعلم بالصواب .