فصل : والحال الثانية أن
تضع ما ادعته من الحمل فهذا على ضربين :
أحدهما : أن تضعه إلى مدة أربع سنين من وقت الطلاق فيكون الولد لاحقا بالمطلق وتستحق النفقة في مدة الطلاق إلى وقت الولادة لانقضاء العدة بوضع الحمل . .
والضرب الثاني : أن تضعه لأكثر من أربع سنين من وقت الطلاق ؛ ففي لحوقه قولان ذكرناهما في كتابي " الرجعة " و " العدد " .
أحدهما : يلحق به بخلاف البائن لاختلافهما في أحكام الزوجية ، فعلى هذا
[ ص: 472 ] تنقضي عدتها بوضعه ولها عليه النفقة من وقت الطلاق إلى وقت الولادة لانقضاء العدة بوضع الحمل .
والقول الثاني : لا يلحق به كالبائن لاجتماعهما في استحالة علوقه قبل طلاقها ، فعلى هذا تسأل عن حال الحمل ، ولا يخلو حال جوابها فيه من أربعة أقسام :
أحدها : أن تدعي أن الزوج المطلق أصابها برجعة أو غير رجعة .
والقسم الثاني : أن تدعي أجنبيا أصابها بشبهة .
والقسم الثالث : أن تقر أن رجلا زنا بها سفحا .
والقسم الرابع : أن لا تعزيه إلى جهة .
فأما القسم الأول : وهو أن تدعي على الزوج أنه أصابها في العدة ؛ فيسأل الزوج عن دعواها ، فإن صدقها لحق به الولد وانقضت به العدة ، فأما النفقة فتستحق منه النفقة في مدة ثلاثة أقراء ، وفي استحقاقها لنفقة ما بعدها من بقية مدة الحمل قولان : لأنه من وطء شبهة لا من نكاح ، وإن أكذبها فالقول قوله مع يمينه ، ولا يلحق به الولد ، ولا تنقضي به العدة على الظاهر من مذهب
الشافعي وجمهور أصحابنا لانتفائه عنه .
وقال
أبو حامد الإسفراييني : تنقضي به العدة لإمكان أن يكون منه ، وإن انتفى عنه كحمل الملاعنة تنقضي به العدة وإن انتفى عنه باللعان وليس لهذا القول عندي وجه : لأن حمل الملاعنة كان قبل اللعان لاحقا فجاز أن تنقضي به العدة ، وحمل هذه المطلقة قد كان قبل هذه الدعوى المردودة غير لاحق فلذلك لم تنقض به العدة ، ثم ناقض
أبو حامد في قوله فجعل عدتها بوضع الحمل ولم يجعل لها النفقة في مدة الحمل ، وكان فرقه بين العدة والنفقة أن العدة حق عليها والنفقة حق لها فقبل قولها فيما عليها ولم يقبل قولها فيما لها ، والتعليل بهذا الفرق يفسد بالمدعية في عدة أقرائها زيادة على عادتها . قولها مقبول في العدة واستحقاق النفقة وإن كانت العدة عليها والنفقة لها ، وقد قال
المزني : إذا حكم بأن العدة قائمة فكذلك النفقة في القياس لها .
وأما الجواب عن هذا القسم على الظاهر من مذهب
الشافعي وقول جمهور أصحابنا في أن العدة لا تنقضي بوضع هذا الحمل ، أن تسأل عما ادعته من وطء الزوج ، فإن قالت : وطئني عقيب طلاقي لزمها أن تعتد بعد الولادة بثلاثة أقراء : لأنها مقرة أنها لم تعتد بشيء من الأقراء ثم لا نفقة لها فيما تعتد به من هذه الأقراء الثلاثة بعد الولادة لإقرارها بانقضاء العدة بالولادة ولا رجعة فيها للزوج لإكذابها فيما ادعته من الإصابة ، وإن قالت : وطئني بعد مضي أقرائي كأنها قالت وطئني في القرء الثالث
[ ص: 473 ] بعد مضي قرأين احتسبت بالقرأين الأولين واعتدت بقرء ثالث بعد الولادة تنقضي به بقية العدة .
وأما القسم الثاني : وهو أن تدعي أن أجنبيا أصابها بشبهة فدعواها إصابة الأجنبي غير مقبولة عليه إلا بالتصديق ، فإن صدقها لحق به الولد وانقضت به عدتها من إصابته ، فأما عدة المطلقة فتسأل المطلقة عن الوقت الذي أصابها فيه الأجنبي ، ولها في الجواب عنه أربعة أحوال :
أحدها : أن تدعيه عقيب طلاقها فيكون ذلك إقرار منها أنها لم تعتد عن مطلقها فيلزمها أن تعتد عنه بعد ولادتها بثلاثة أقراء ، وله أن يسترجع منها نفقة الحمل ، وعليه أن يدفع إليها نفقة عدتها بعد الحمل ، وله أن يراجعها في هذه العدة إن صدقها على إصابة الأجنبي ولا رجعة له إن أكذبها .
والحال الثانية : أن تدعي إصابة الأجنبي بعد انقضاء عدتها بالأقراء الثلاثة فيقبل قولها في انقضاء العدة ، ولا يلزمها أن تعتد للزوج بعد ولادتها ويسترجع منها نفقة حملها إلا مدة أقرائها الثلاثة ، والقول في قدرها على ما مضى من الأقسام السبعة إذا انفش حملها .
والحال الثالثة : أن تدعي إصابة الأجنبي في تضاعيف أقرائها ، كأنها ادعت إصابته في القرء الثاني بعد استكمال الأول فتحسب لها بقرء ، وعليها أن تأتي بعد الولادة بقرأين ، ويسترجع منها نفقة الحمل إلا قرءا واحدا ويدفع إليها نفقة قرأين بعد الولادة .
والحال الرابعة : أن تجهل الوقت الذي ادعت فيه الإصابة ولا تخبر به فتصير شاكة في انقضاء عدتها . فيلزمها أن تعتد بعد الولادة بثلاثة أقراء لتقضي عدتها بيقين ، ويسترجع الزوج منها نفقة حملها ؛ لأنها لم تعتد بشيء منه ، ويدفع الزوج منها نفقة حملها ؛ لأنها لم تعتد بشيء منه ، ويدفع إليها نفقة عدتها بعد الولادة : لأنه ملتزم لها قبل ذلك نفقة عدة ، ولا يراجعها في هذه العدة للشك في استباحتها .
وأما القسم الثالث : وهو أن تقر أن رجلا زنا بها فتعتد بما مضى من أقرائها قبل الزنا وبعده ، ولا تفسد الأقراء بوطء الزنا وتعتد بحيضها على الحمل سواء قيل إن ما تراه الحامل من الدم حيض أو ليس بحيض : لأنه قد سقط في العدة حكم هذا الحمل فاعتدت فيه بالحيض ، وإن سقط حكمه في العبادات إذا قيل ليس بحيض ، ويسترجع منها نفقة حملها إلى مدة ثلاثة أقراء يرجع فيها إلى قولها على ما مضى من الأقسام السبعة .
[ ص: 474 ] وأما القسم الرابع : وهو أن لا تعزي وطأها إلى أحد أو تنكر أن يكون قد وطئها أحد فيجري عليها في العدة حكم وطء الزنا فيكون حكمها في العدة على ما قدمناه . والله أعلم .