فصل : فأما
إذا وجب قتل الزاني المحصن ، فقتله رجل بغير أمر الإمام .
فقد ذهب بعض أصحابنا إلى أن القود على قاتله واجب ، لأن ولي قتله هو الإمام ، فإذا تولاه غيره أقيد منه ، كالعامل إذا قتله غير ولي المقتول أقيد به .
وظاهر مذهب
الشافعي ، وما عليه جمهور أصحابه : أنه لا قود ، لرواية
أبي صالح عن
أبي هريرة أن
سعد بن عبادة قال : يا رسول الله ، أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا أقتله ؟ أم حتى آتي بأربعة شهداء : فقال له النبي ، صلى الله عليه وسلم :
لا حتى تأتي بأربعة شهداء كفى بالسيف شا يعني شاهدا هذا فانصرف
سعد وهو يقول : والله ، لو وجدته لضربته بالسيف غير مصفح .
nindex.php?page=hadith&LINKID=924437فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأنصار : أما تسمعون ما يقول سيدكم : فقالوا : اعذره يا رسول الله ، فإنه رجل غيور ، وما طلق امراة فتزوجها رجل منا . فموضع الدليل منه أنه أباح قتله بعد البينة .
وروى
الشعبي أن رجلا غزا ، واستخلف على امرأته أخاه فأتته امرأة . فقالت له :
أدرك امرأة أخيك ، عندها رجل يحدثها ، فتسور السطح ، فإذا هي تصنع له دجاجة وهو يرتجز ، ويقول :
وأشعث غره الإسلام مني خلوت بعرسه ليل التمام أبيت على ترائبها ويمسي
على جرد الأعنة والحزام كأن مواضع الربلات منها
فئام ينهضون إلى فئام
[ ص: 82 ] فقتله ورمى بجيفته إلى الطريق ، فبلغ ذلك
عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال : أنشد الله امرأ عنده علم هذا القتيل إلا أخبرني ، فقام الرجل : فأخبره بما كان فأهدر
عمر دمه ، وقال : أبعده الله وسحقه .
وروى
سعيد بن المسيب أن رجلا من أهل
الشام يقال له :
ابن خيبري وجد مع امرأته رجلا فقتله وقتلها ، فأشكل على
معاوية القضاء ، فكتب إلى
أبي موسى الأشعري يسأله أن يسأل
علي بن أبي طالب - عليه السلام - عنها فسأله فقال : ليست هذه بأرضنا حلفت عليك لتخبرني بها فقال : كتب بها إلي
معاوية فقال
على : يرضون بحكمنا وينقمون علينا ، إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته .
وفيه تأويلان :
أحدهما : فليضرب على رمته يعني بالسيف قودا .
والثاني : معناه فليسلم برمته حتى يقاد منه .
وأما الجمع بين الزاني والقاتل ، فقد فرق من خالف بينهما بأن على القاتل قودا ودية ، فلم يجز تفويت الدية بالقود ، وليس على الزاني إلا القتل الذي لا تخيير فيه ، والأصح عندي من إطلاق هذين المذهبين أن يقال : إن وجب قتل الزاني بالبينة فلا قود على قاتله لانحتام قتله وإن وجب بإقراره أقيد من قاتله لأن قتله بإقراره غير منحتم لسقوطه عنه برجوعه عن إقراره .
وعلى هذا
لو أن محاربا من قطاع الطريق قتل في الحرابة رجلا فللإمام أن ينفرد بقتله دون ولي المقتول ، لما قد تعلق بقتله من حق الله تعالى الذي لا يجوز العفو عنه ، ولولي المقتول أن يقتله بغير إذن الإمام لما تعلق به من حقه الذي لا يجوز أن يمنع منه .
فإن قتله غيرهما من الأجانب فعلى الوجه الأول : يجب عليه القود ، وعلى مذهب
الشافعي وقول جمهور أصحابه لا قود عليه .