مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : ولا يقتل إلا باجتماعهم ويحبس القاتل حتى يحضر الغائب ويبلغ الطفل وإن كان فيهم معتوه فحتى يفيق أو يموت فيقوم وارثه مقامه .
قال
الماوردي : أما
إذا كان ورثة القتيل أهل رشد لا ولاية على واحد منهم ، فليس لبعضهم أن ينفرد بالقود دون شركائه ، وعليه أن يستأذن من حضر وينتظر من غاب ، وهذا متفق عليه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=924421فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا العقل فأما إن
كان فيهم مولى عليه لعدم رشده بجنون أو صغر فقد اختلف فيه الفقهاء .
فذهب
الشافعي إلى أن القود موقوف لا يجوز أن ينفرد به الرشيد حتى يبلغ الصغير ويفيق المجنون ، ويجتمعون على استيفائه ، ولا يجوز لولي الصغير أن ينوب عنه في الاستيفاء .
وقال
أبو حنيفة ومالك : يجوز للرشيد منهم أن ينفرد باستيفاء القود ولا ينتظر بلوغ الصغير وإفاقة المجنون ، ولو كان مستحقه صغيرا أو مجنونا جاز لوليه أن ينوب عنه في استيفائه استدلالا بقول الله تعالى
فقد جعلنا لوليه سلطانا [ الإسراء : 33 ] فذكره بلفظ الواحد فدل على جواز أن يستوفيه الولي الواحد .
ولأن
ابن ملجم قتل
عليا رضوان الله عليه فاقتص منه ابنه
الحسن ، وقد شاركه من إخوته صغار لم يبلغوا ، ولم يقف القود على بلوغهم ولم يخالفه أحد من الصحابة رضي الله عنهم ، فصار إجماعا على جواز تفرده به .
قال : ولأن
للقود حقا يصح فيه النيابة فجاز إذا لم يتبعض أن ينفرد به بعضهم كولاية النكاح ، ولأن
القود إذا وجب لجماعة لم يمتنع أن يتفرد باستيفائه واحد ، كالقتيل إذا لم يترك وارثا استحق قوده جماعة المسلمين ، وكان للإمام أن ينفرد باستيفائه .
ودليلنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -
فمن قتل بعده قتيلا فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا ، وإن أحبوا أخذوا العقل فجعل ذلك لجماعتهم ، فلم يجز أن ينفرد به بعضهم ، لما فيه من
[ ص: 103 ] العدول عن مقتضى الخبر .
ولأن
القود إذا تعين لجماعة لم يجز أن ينفرد به بعضهم ، كما لو كانوا جميعا أهل رشد .
ولأن القود أحد بدلي النفس فلم يجز أن يستوفيه بعض الورثة كالدية .
ولأن
كل من لم ينفرد باستيفاء الدية لم يجز أن ينفرد باستيفاء القود كالأجانب .
وأما الآية فمحمولة على الولي إذا كان واحدا .
وأما تفرد
الحسن بقتل
ابن ملجم لعنه الله فعنه جوابان :
أحدهما : أنه قد كان في شركائه من البالغين من لم يستأذنه ، لأن
عليا خلف حين قتل على ما حكاه بعض أهل النقل ستة عشر ذكرا وست عشرة أنثى فيكون جوابهم عن ترك استئذانه للأكابر جوابنا في ترك وقوفه على بلوغ الأصاغر .
والجواب الثاني : أن
ابن ملجم انحتم قتله لسعيه بالفساد ، لأن
من قتل إمام عدل فقد سعى في الأرض فسادا فصار محتوم القتل ، لا يجوز العفو عنه فلا يلزم استئذان الورثة فيه .
والجواب الثالث : أن
ابن ملجم استحل قتل
علي - عليه السلام - فصار باستحلاله قتله كافرا ، لأن
من استحل قتل إمام عدل كان كافرا فقتله
الحسن لكفره ولم يقتله قودا ، وقد روي
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أيقظ عليا من نومه في بعض الأسفار ، وقد سيقت الريح عليه التراب ، فقال : قم يا أبا تراب ثم قال : أتعرف أشقى الأولين والآخرين قال : الله ورسوله أعلم ، قال : أشقى الأولين عاقر ناقة صالح ، وأشقى الآخرين من خضب هذه من هذا ، وأشار إلى خضاب لحيته من دم رأسه ، فيجوز أن يكون
الحسن عرف بهذا الخبر كفر
ابن ملجم لعنه الله لاعتقاده استباحة قتل
علي فقتله بذلك .
وأما قياسهم على ولاية النكاح فعنه جوابان :
أحدهما : أن ولاية النكاح يستحقها الأكابر دون الأصاغر ، فجاز أن ينفرد بها الأكابر
والقود يستحقه الأكابر والأصاغر فلم يجز أن ينفرد به الأكابر .
والثاني : أن ولاية النكاح يستحقها كل واحد منهم فجاز أن ينفرد بها أحدهم . والقود يستحقه جميعهم فلم يجز أن ينفرد به بعضهم .
[ ص: 104 ] فأما ما ذكره من تفرد الإمام بالقود فيمن ورثه جماعة المسلمين ، فالجواب عنه أنه لما لم يتعين مستحقه وكان للكافة ، تفرد به من ولي أمورهم ، وهذا قد تعين مستحقه فافترقا .