مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : ( قال ) ولو أذن لرجل فتنحى به فعفاه الولي فقتله قبل أن يعلم ، ففيها قولان : أحدهما : أن ليس له على القاتل شيء إلا أن يحلف بالله ما علمه عفا ولا على العافي . والثاني : أن ليس على القاتل قود لأنه قتله على أنه مباح وعليه الدية والكفارة ولا يرجع بها على الولي لأنه متطوع وهذا أشبههما ( قال
المزني ) رحمه الله : فالأشبه أولى به .
قال
الماوردي : أما التوكيل في القصاص فضربان :
أحدهما : توكيل في إثباته .
والثاني : توكيل في استيفائه .
وقد ذكرنا كلا الضربين في كتاب " الوكالة " ، ونحن نشير إليهما في هذا الموضع .
أما الضرب الأول وهو
التوكيل في إثبات القصاص فهو جائز عند جمهور الفقهاء إلا
أبا يوسف وحده ، فإنه منع منه ، لأنه حد يدرأ بالشبهة ، وهذا فاسد ، لأن الشبهة ما اختصت بالفعل أو بالفاعل فلم يتعد إلى التوكيل والموكل ، ولأن التوكيل في الإثبات مختص بإقامة البينة وإثبات الحجة ، وهذا يجوز أن يفعله الموكل وتصح فيه النيابة .
فإذا ثبت جواز التوكيل في إثبات القصاص لم يكن للوكيل أن يستوفيه بعد ثبوته إلا بإذن موكله ، وهو قول جمهور الفقهاء إلا
ابن أبي ليلى وحده ، فإنه جوز له استيفاء القصاص وحده بعد إثباته ، لأنه مقصود الإثبات ، فأشبه الوكيل في البيع يجوز له قبض الثمن من غير إذن لأنه مقصود البيع وهذا فاسد : لأن فعل الموكل مقصور على ما تضمنه التوكيل فلم يجز أن يتعداه ولأن إثبات القصاص يقف موجبه على خيار الموكل دون الوكيل ، ولأن في استيفائه للقصاص إتلاف ما لا يستدرك وخالف قبض الثمن في البيع من وجهين :
أحدهما : أن المقصود في البيع قبض الثمن ، والمقصود في القصاص مختلف .
والثاني : أن رد الثمن مستدرك ، ورد القصاص غير مستدرك ، فعلى هذا لو اقتص الوكيل كان عليه القود ، وينتقل حق الموكل إلى الدية لفوات القصاص .