الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا استقر تعيين من وجب عليه الضمان على ما ذكرناه من التقسيم كان ما ضمنه الولي من ديته أو غرته على عاقلته ، لأنه من خطئه الذي تتحمله العاقلة عنه ، وكانت الكفارة في ماله ، لأن العاقلة تتحمل العقل دون الكفارة .

فأما ما ضمنه الإمام من الدية أو الغرة ففيه قولان :

أحدهما : أنه مضمون على عاقلته يتحملونه عنه ، لأن عمر - رضي الله عنه - حين ضمن جنين المرأة التي أرهبها فألقته ميتا قال لعلي - عليه السلام - : عزمت عليك لا تبرح حتى تضربها على قومك . يعني من قريش ، لأنهم عاقلة عمر وكما يتحملون عنه العقل لو لم يكن إماما فعلى هذا تكون الكفارة في ماله كغير الإمام .

والقول الثاني : تكون الدية أو الغرة مضمونة في بيت المال ، لأنه يكثر من الإمام لما يتولاه من أمور المسلمين التي لا يجد من مباشرتها والاجتهاد فيها بدا ، فلو تحملت عاقلته ما لزمه من خطأ اجتهاده عجزوا عنه ولم يطيقوه ، فوجب أن يكون في مال من ينوب عنهم ويقوم بمصالحهم من المسلمين ، فلذلك كان في بيت مالهم .

فإن قيل : ليس هذا من مصالحهم ، فيكون في بيت مالهم .

قيل : لما كان سببه القصاص الذي فيه حفظ حياتهم وصلاح أنفسهم كان موجب الخطأ فيه من جملة مصالحهم ، فعلى هذا يكون في بيت المال ما ضمنه من الدية أو الغرة على تأجيل الخطأ ، وفي الكفارة وجهان :

أحدهما : في بيت المال كالدية لاتفاقهما في معنى الوجوب .

والوجه الثاني : أنها تكون في مال الإمام دون بيت المال ، لأن بيت المال عاقلته والعاقلة تتحمل الدية دون الكفارة .

التالي السابق


الخدمات العلمية