فصل : فإذا تقرر ما يعتبر في
الاقتصاص فيها لم يخل حالها من أن تكون في بعض الرأس أو في جميعه .
فإن كانت في بعضه اقتص بقدرها في محلها من رأس الشاج ، وإن كانت في جميعه قد أخذت طولا ما بين الجبهة والقفا ، وأخذت عرضا ما بين الأذنين ، لم يخل رأس الشاج والمشجوج من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يتماثل رأساهما في الطول والعرض ، فاستيعاب القصاص ممكن ، فإذا كانت طولا ما بين الجبهة والقفا اقتص من الشاج طول رأسه من جبهته إلى قفاه ، واختلف أصحابنا في هذا القصاص على وجهين :
أحدهما : أنه يبدأ به من الموضع الذي بدأ به الجاني ، إما من ناحية الجبهة أو القفا ليماثل في الابتداء كما يماثل في الاستيفاء ، فإن أشكل رجع إلى الجاني دون المجني عليه .
والوجه الثاني : وهو أصح وبه قال جمهور أصحابنا : أن المستوفى له القصاص ، مخير في الابتداء بأي الموضعين شاء ، لأن له أن يقتص من بعضها في أي الموضعين شاء .
والقسم الثاني : أن يكون
رأس المشجوج أصغر من رأس الشاج ، فيستوفى بمقدارها من رأس الشاج ، ويترك له باقي رأسه بعد استيفاء مقدار رأس المشجوج .
مثاله : أن يكون طول رأس الشاج عشرين إصبعا ، وطول رأس المشجوج خمسة عشر إصبعا ، فيقتص من رأس الشاج قدر خمسة عشر إصبعا ويبقى من رأسه مقدار خمس أصابع لا قصاص عليه فيها ، لفضلها بعد استيفاء القصاص ، ويكون محل هذا المتروك بناء على ما قدمناه من الوجهين في الابتداء بموضع القصاص .
فإن قيل بالوجه الأول إنه يبدأ في القصاص بالموضع بداية الجاني نظر ، فإن بدأ بمقدم الرأس كان المتروك من مؤخره ، وإن بدأ بمؤخره كان المتروك من مقدمه .
وإن قيل : بالوجه الثاني الذي هو أصح : إن المقتص له مخير في الابتداء بأي الموضعين شاء كان بالخيار بين ثلاثة أحوال :
[ ص: 153 ] إما أن يستوفي قصاصه من مقدم الرأس ، ويترك فاضله من مؤخره ، أو يستوفيه من مؤخره ، ويترك فاضله من مؤخره ، أو يستوفيه من مؤخره ، ويترك فاضله من مقدمه ، أو يستوفيه من وسطه ويترك فاضله من مقدمه ومؤخره ، فإن أراد أن يستوفيه من طرفيه ويترك فاضله من وسطه لم يجز ، لأنه إذا فصل بينهما صارتا موضحتين ، ولا يجوز أن يقتص من موضحة بموضحتين ، ويجيء على تخريج
أبي علي بن أبي هريرة في دية هذا القاتل أن يجوز له ذلك ليجري على كل موضع من الجناية حكم الموضحة ، وليس بصحيح ، كما ذكرناه من التعليل .
والقسم الثالث : أن يكون رأس المشجوج أكبر من رأس الشاج .
مثاله : أن يكون طول رأس المشجوج عشرين إصبعا ، وطول رأس الشاج خمسة عشرة إصبعا ، فيستوعب في الاقتصاص طول رأس الشاج ، وقدره ثلاثة أرباع الموضحة ، فلا يستوفي الربع الباقي من الجبهة ولا من القفا ، ولا يخرج من الرأس ، لأن كل ذلك في غير محل القصاص ، كما لا يجوز أن يقتص في موضحة الوجه من الرأس ، ولا في موضحة الرأس من الوجه ، ويرجع على الجاني بقسط ذلك من أرش الموضحة وهو ربع أرشها ، لأن الباقي منها ربعها ، ولو كان الباقي منها ثلثها رجع بثلث أرشها ، وخرج
أبو علي بن أبي هريرة احتمال وجه ثان ، أنه يرجع عن الباقي منها بجميع أرش الموضحة ، لأن أرش الموضحة يكمل فيما قل منها وكثر ، وهذا فاسد ، والفصل فيها أن اسم الموضحة ينطلق على صغيرها وكبيرها ، فاستوى الأرش في جميعها ، ولا ينطلق على الباقي من هذه الموضحة اسم الموضحة ، وإنما ينطلق عليه اسم بعضها فلم يستحق فيه إلا بعض أرشها ، وهكذا لو كانت موضحة المشجوج بين قرني رأسه ، وكان ما بين قرني رأس الشاج أضيق لم يجز أن يعدل بعد استيفاء ما بين القرنين إلى ما يجاوزهما . وإن كان من جملة الرأس ، لخروجه عن محل القصاص ورجع بقسطه من أرش الموضحة .