الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " ومن ذكر صلاة وهو في أخرى أتمها ، ثم قضى ، وإن ذكر خارج الصلاة بدأ بها فإن خاف فوت وقت التي حضرت بدأ بها ثم قضى . ( قال المزني ) : قال أصحابنا يقول الشافعي : التطوع وجهان ، أحدهما : صلاة جماعة موكدة لا أجيز تركها لمن قدر عليها ، وهي صلاة العيدين ، وكسوف الشمس والقمر ، والاستسقاء ، وصلاة منفرد ، وصلاة بعضها أوكد من بعض ، فأوكد ذلك الوتر ، ويشبه أن يكون صلاة التهجد ، ثم ركعتا الفجر ، ومن ترك واحدة منهما أسوأ حالا ممن ترك جميع النوافل ، وقالوا : إن فاته الوتر حتى تقام الصبح لم يقض ، وإن فاتته ركعتا الفجر حتى تقام الظهر لم يقض ، ولا أرخص لمسلم في ترك واحدة منهما ، وإن لم أوجبهما . ( وقال ) : إن فاته الوتر لم يقض ، وإن فاته ركعتا الفجر حتى تقام صلاة الظهر لم يقض ، وقالوا : فأما صلاة فريضة ، أو جنازة ، أو مأمور بها مؤكدة ، وإن لم تكن فرضا ، أو كان يصليها فأغفلها ، فليصل في الأوقات التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها وبأنه عليه السلام رأى قيسا يصلي بعد الصبح ، فقال : " ما هاتان الركعتان ؟ فقال : ركعتا الفجر . فلم ينكره ، وبأنه صلى ركعتين بعد العصر ، فسألته عنهما أم سلمة ، فقال : هما ركعتان كنت أصليهما ، فشغلني عنهما الوفد وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل وأحب فضل الدوام . ( قال المزني ) : يقال لهم فإذا سويتم في القضاء بين التطوع الذي ليس بأوكد وبين الفرض لدوام التطوع الذي ليس بأوكد ، فلم أبيتم قضاء الوتر الذي هو أوكد ، ثم ركعتي الفجر اللتين تليان في التأكيد اللتين هما أوكد ؟ أفتقضون الذي ليس بأوكد ، ولا تقضون الذي هو أوكد ؟ وهذا من القول غير مشكل ، وبالله التوفيق ، ومن احتجاجكم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في قضاء التطوع : " من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها " فقد خالفتم ما احتججتم [ ص: 277 ] به في هذا ، فإن قالوا فيكون القضاء على القرب لا على البعد ، قيل لهم لو كان كذلك لكان ينبغي على معنى ما قلتم أن لا يقضي ركعتي الفجر نصف النهار لبعد قضائهما من طلوع الفجر ، وأنتم تقولون يقضي ما لم يصل الظهر ، وهذا متباعد وكان ينبغي أن تقولوا : إن صلى الصبح عند الفجر أن له أن يقضي الوتر : لأن وقتها إلى الفجر أقرب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح فليوتر فهذا قريب من الوقت وأنتم لا تقولونه وفي ذلك إبطال ما اعتللتم به " .

قال الماوردي : وهذا صحيح .

وقد مضت هذه المسألة ، وذكرنا اختلاف الفقهاء فيها ، وأن مذهبنا أن ترتيب الفوائت من الصلوات غير واجب في القضاء ، وأن من ذكر صلاة فائتة وهو في فرض وقته ، فجائز أن يمضي في صلاته ويقضي ما فاته ، ودللنا على جميعه بما ليس لنا حاجة إلى إعادته وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية