مسألة : قال
المزني رضي الله عنه : وسمعت
الشافعي رحمه الله يقول لو شجه موضحة فذهبت منها عيناه وشعره فلم ينبت ثم برئ أقص من الموضحة فإن ذهبت عيناه ولم ينبت شعره فقد استوفى حقه وإن لم تذهب عيناه ونبت شعره زدنا عليه الدية وفي الشعر حكومة .
قال
الماوردي : اعلم أن سراية الجناية تنقسم ثلاثة أقسام :
أحدها : أن
تسري إلى النفس ، فيجب القصاص له في السراية كوجوبه في الجناية ، لأن النفس تؤخذ تارة بالتوجئة وتارة بالسراية ، فوجب القصاص في الحالين وليست النفس عينا ترى فتنفرد بالأخذ ، فلو سرى قصاص الجناية إلى النفس كان وفاء لحق المجني عليه .
والقسم الثاني : أن
تسري الجناية إلى عضو في الجسد كسراية قطع الإصبع إلى الكف وسراية قطع الكف إلى المرفق ، فالقصاص في الجناية دون السراية ، ويؤخذ
[ ص: 171 ] أرش السراية مع القصاص في الجناية على ما مضى ، فلو سرى قصاص الجناية مثل سراية الجناية لم يسقط به أرش سراية الجناية ، لما ذكرناه من حدوث سراية الجناية غير مضمون فصار مضمونا ، وحدوث سراية القصاص عن غير مضمون فلم يصر مضمونا .
والقسم الثالث : أن تسري الجناية إلى ذهاب ضوء العين كالموضحة في الرأس إذا ذهب بها ضوء العين ، فالذي نقله
المزني عن
الشافعي نصا في هذا الموضع أن القصاص في السراية إليه واجب ، لأن ضوء العين ليس بشخص يرى فيؤخذ بقلع العين وبالسراية أخرى فأشبه النفس ، فاقتضى أن يجب القصاص في السراية إليه كما يجب في السراية إلى النفس ، فيصير هذا ملحقا بالقسم الأول .
وقال أبو حنيفة : لا قصاص في الموضحة ولا في السراية كما لا يجب في الإصبع ولا في السراية إلى الكف .
وقال
أبو يوسف : يجب القصاص في الموضحة وفي السراية إلى ضوء العين وإن لم يجب في الإصبع والسراية إلى الكف ، وخرج
أبو إسحاق المروزي قولا ثانيا لم يساعده عليه غيره أن السراية إلى ضوء العين لا توجب القصاص كما لا توجبه السراية إلى أعضاء الجسد ، لأنهما سرايتان إلى ما لا دون النفس وجعل ذلك ملحقا بالقسم الثاني ، فأما السراية إلى ذهاب الشعر فلا توجب القصاص ، لأن الشعر ليس عينا ترى يمكن أن يقصد بالأخذ فصار كسائر الأعضاء .