مسألة : قال
الشافعي رحمه الله : ولو أصابته من جرح يده أكلة فقطعت الكف لئلا تمشي الأكلة في جسده لم يضمن الجاني من قطع الكف شيئا فإن مات من ذلك فنصف الدية على الجاني ويسقط نصفها لأنه جنى على نفسه .
قال
الماوردي : وصورتها : في
رجل قطع إصبع رجل فتآكلت ، وخاف المجني عليه سرايتها إلى نفسه فقطع كفه ليقطع سرايتها ، فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يندمل قطع كفه فيجب على الجاني القصاص في الإصبع التي
[ ص: 175 ] قطعها ، وعليه الأرش فيما سرت إليه الجناية من كف المجني عليه كأنها سرت إلى إصبع ثانية ، فيلزمه ديتها لذهابها بسراية جنايته ، ولا قود عليه فيها ، ويكون باقي الكف التي قطعها صاحبها هدرا لا يضمنها الجاني .
فإن قيل : إنما قطعها من الخوف الحادث عن جنايته فهلا كانت من ضمانه كالسراية .
قيل : تلف السراية حادث عن فعله فضمنه ، وتلف الخوف حادث عن فعل غيره فلم يضمنه .
والضرب الثاني : أن يسري قطع الكف إلى نفسه فيموت ، فيكون الموت حادثا من سرايتين : قطع الجناية ، وقطع الاستصلاح ، فيصير الجاني أحد القاتلين ، وعند
أبي حنيفة يكون الثاني قاتلا دون الأول ، لأنه قطع محل الجناية فأزال سرايتها ، وهذا فاسد بما قدمناه من الدلالة عليه ، فإن الموت كان بسراية الألمين ، فلذلك صار الأول أحد القاتلين ، وإذا كان كذلك ففي قطع الجاني نصف الدية ، فأما القود في النفس فقد صار مشاركا في النفس لمن لم يلزمه ضمانها فاختلف أصحابنا في وجوب القود عليه ، فكان
أبو علي بن أبي هريرة يخرجه على قولين من شريك السبع ومن جارح نفسه بعد الجناية عليه :
أحدهما : عليه القود في النفس .
والقول الثاني : لا قود عليه ، وقد مضى توجيه القولين من قبل .
وقال
أبو إسحاق المروزي : لا قود عليه قولا واحدا وإن كان شريك السبع وشريك المجني عليه على قولين وفرق بينهما بأن النفس في شركة السبع والمجني عليه خرجت عن قصد التلف فصار جميعها عمدا محضا فجاز أن يجب فيها القود ، وفي هذا الموضع خرجت عن قصد الاستصلاح دون التلف ، فإذا أفضى إلى التلف صار عمد الخطأ ولا قود على شريك الخاطئ وكذلك هاهنا .