فصل : فإذا أوضح ما ذكرناه من توجه القولين ،
فصلاة الوتر على قوله الجديد أوكد من ركعتي الفجر ، فأما قول
الشافعي : " ويشبه أن تكون صلاة التهجد " فلأصحابنا فيه تأويلان :
أحدهما : أن صلاة التهجد هي الوتر نفسها ، وقد صرح به
الشافعي في " الأم " وقال
المزني في " جامعه الكبير " : وأوكد ذلك الوتر ، ويشبه أن تكون هي صلاة التهجد .
والتأويل الثاني : أن صلاة التهجد غير الوتر ، وهي صلاة يصليها الإنسان في الليل وردا له .
وأصل التهجد في اللسان من الأضداد يقال : تهجدت إذا نمت قال لبيد :
قد هجدنا فقد طال السرى وقدرنا إن خنا الدهر غفل
ويقال : تهجدت إذا سهرت ، قال الله تعالى :
ومن الليل فتهجد به نافلة لك [ الإسراء : 79 ] . فالتهجد على هذا أن يصلي وقت يكون الناس فيه نياما ، فعلى هذا التأويل هل تكون صلاة التهجد على قوله الجديد أوكد من ركعتي الفجر أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : أن صلاة التهجد أوكد ، لأن قيام الليل قد كان نائبا عن الفرائض ، فوجب أن يكون أوكد من ركعتي الفجر التي لم تنب عن فرض قط ، وقول
الشافعي " ويشبه أن تكون صلاة التهجد " معناه : ويشبه أن يكون الذي يتبع الوتر في التأكيد صلاة التهجد .
والوجه الثاني : وعليه أصحابنا : أن
ركعتي الفجر أوكد من صلاة التهجد لما تقدم .
والدليل في تأكيدها على الوتر ، فأما ما عدا الوتر ، وركعتي الفجر من النوافل الموظفات من الصلوات المفروضات ، فقد حكى
البويطي ، عن
الشافعي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين ، وبعدها ركعتين ، وركعتين قبل العصر ، وركعتين بعد المغرب ، وركعتين قبل العشاء ، وركعتين بعدها .