مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه :
ويحضر الإمام القصاص عدلين عاقلين حتى لا يقاد إلا بحديدة حادة مسقاة ويتفقد حديده لئلا يسم فيقتل من حيث قطع بأيسر ما يكون به القطع .
قال
الماوردي : وإنما اختار
الشافعي أن يحضر القصاص عدلين شاهدين ليشهدا باستيفائه إن استوفي ، وبالتعدي فيه إن تعدي ، فإن قيل : فما معنى قول
الشافعي : عدلين عاقلين ، والعدل لا يكون إلا عاقلا فمنه ثلاثة أجوبة :
أحدها : أنه قاله على طريق التأكيد ، كما قال الله عز وجل :
فخر عليهم السقف من فوقهم [ النحل : 26 ] و
يقولون بأفواههم [ آل عمران : 167 ] .
والثاني : أنه أراد بالعقل ثبات النفس وسكون الجأش عند مشاهدة القصاص ، وليس كل عدل يمكن جأشه عند مشاهدة القتل والقطع قاله
أبو القاسم الصيمري .
والثالث : أنه أراد بالعقل الفطنة والتيقظ ليفطن بما يجري من استيفائه من حق أو تعد ، إذ ليس كل عدل يفطن لذلك ، قاله
أبو حامد الإسفراييني ، فإن غاب الشاهدان عن استيفاء القصاص لم يؤثر فيه وكان المسيء هو الحاكم بالقصاص دون المستوفي له .
[ ص: 198 ] فأما
صفة ما يستوفى به القصاص من الحديد فقد ذكرنا أنه ينبغي لمن حكم باستيفائه من سلطان أو قاض أن يتفقده حتى لا يكون مثلوما كالا ولا مسموما ، لأن الكال يعذب المقتص منه والمسموم يهري لحمه ، فإن اقتص بكال مثلوم لم يعزر ، وإن اقتص بمسموم فإن كان القصاص في النفس فقد استوفى ولا غرم في السم لكن يعزر المقتص أدبا ، كما لو قطع المقتص منه بعد قتله قطعا ، وإن كان في طرف فأفضى السم إلى تلفه وصار التلف حادثا عن القصاص الذي لا يضمن وعن السم الذي يضمن فيلزم نصف الدية لحدوث التلف عن مباح ومحظور كمن جرح مرتدا ثم أسلم وجرحه بعد إسلامه أخرى ثم مات ضمن نصف ديته لتلفه عن سببين أحدهما مباح والآخر محظور .