مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه :
فإن أعوزت الإبل فقيمتها دنانير أو دراهم كما قومها
عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( قال
الشافعي ) رحمه الله تعالى : والعلم محيط بأنه لم يقومها إلا قيمة يومها فإذا قومها كذلك فاتباعه أن تقوم متى وجبت ولعله أن لا يكون قومها إلا في حين وبلد أعوزت فيه أو يتراضى الجاني والولي فيدل على تقويمه للإعواز قوله لا يكلف أعرابي الذهب ولا الورق لأنه يجد الإبل وأخذه ذلك من القروي لإعواز الإبل فيما أرى والله أعلم . ولو جاز أن يقوم بغير الدراهم والدنانير جعلنا على أهل الخيل الخيل وعلى أهل الطعام الطعام ( قال
المزني ) - رحمه الله - وقوله القديم على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثنا عشر ألف درهم ورجوعه عن القديم رغبة عنه إلى الجديد وهو بالسنة أشبه .
قال
الماوردي : أما الدية من الإبل فمقدرة بمائة بعير وردت بها السنة ، وانعقد عليها الإجماع ، فإذا وجدت لم يجز العدول عنها على مذهب
الشافعي في القديم والجديد ، فإن أعوزت إما بعدمها وإما بوجودها بأكثر من ثمن مثلها عدل عنها إلى الدنانير والدراهم التي هي أثمان وقيم دون غيرهما من العروض والسلع ، ثم اختلف في كيفية العدول عن الإبل إليها على قولين :
أحدهما : وبه قال في القديم ، أنها تعتبر من الدنانير والدراهم عند إعواز الإبل
[ ص: 227 ] بدلا من النفس ، ولا تكون بدلا من الإبل ، فتكون الدية من الذهب ألف دينار ، ومن الورق اثني عشر ألف درهم ، فتصير الدية على قوله في القديم ثلاثة أصول مقدرة بالشرع دون التقويم .
والقول الثاني : وبه قال في الجديد أن
إعواز الإبل يوجب العدول إلى قيمتها بالدنانير والدراهم ما بلغت بحسب اختلافها في البلدان والأزمان ، فتكون الدنانير والدراهم بدلا من الإبل لا من النفس ولا تكون للدية أصلا واحدا وهو الإبل .
وقال
أبو حنيفة :
للدية ثلاثة أصول : مائة بعير أو ألف دينار ، أو عشرة آلاف درهم ، يكون الجاني فيها مخيرا في دفع أيهما شاء فخالفهم
الشافعي في القديم في شيئين :
أحدهما : أنه خير بين الإبل وغيرها
والشافعي لا يخير فيها مع إمكانها .
والثاني : أنه قدرها بالورق عشرة آلاف درهم ،
والشافعي قدرها اثني عشر ألفا ووافقه أن الثلاثة بدل من النفس ، فأما على قول
الشافعي في الجديد فقد خالفه
أبو حنيفة في ثلاثة أشياء :
أحدها : التخيير ، فإنه جعله مخيرا بين الإبل وغيرها
والشافعي لا يخيره .
والثاني : في البدل ، فإنه جعل الدراهم والدنانير بدلا من النفس ،
والشافعي في الجديد يجعلها بدلا من الإبل .
والثالث : في التقدير ، لأنه يقدر الدراهم والدنانير ،
والشافعي في الجديد لا يقدرها ، لأنه يجعلها قيمة تقل وتكثر .
وقال
أبو يوسف ومحمد بن الحسن وأحمد بن حنبل : الدية على أهل الإبل مائة بعير ، وعلى أهل الذهب ألف دينار ، وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم ، وعلى أهل البقر مائتا بقرة ، وعلى أهل الغنم ألف شاة ، وعلى أهل الحلل مائتا حلة ، فجعلوا للدية ستة أصول ، ونحن نبدأ بتوجيه قول
الشافعي ثم نعدل إلى خلاف
أبي حنيفة .
ووجه قول
الشافعي في القديم ما رواه
عمرو بن دينار عن
عكرمة عن
ابن عباس أن رجلا من بني عدي قتل فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ديته اثني عشر ألف درهم .
وروى
الزهري عن
أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده
عمرو بن حزم nindex.php?page=hadith&LINKID=924475أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى أهل اليمن أن الرجل يقتل بالمرأة ، وعلى أهل الذهب ألف دينار ، وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم .
[ ص: 228 ] وإذا صح هذان الحديثان فالذهب والورق أصلان مقدران كالإبل ، ولأن ما استحق في الدية أصلا مقدرا كالإبل .
ووجه قوله في الجديد ما رواه
سليمان بن موسى عن
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
nindex.php?page=hadith&LINKID=924476أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم دية الخطأ على أهل القرى أربعمائة دينار أو عدلها من الورق ويقومها على أثمان الإبل ، فإذا قلت الإبل رفع في قيمتها ، وإذا هانت برخص . . . . منها نقص فبلغت الدية على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بين أربعمائة دينار إلى ثمانمائة دينار ، أو عدلها . . . . .
وروي أن
أبا بكر - رضي الله عنه - قوم لما كثر المال وغلت الإبل - مائة من الإبل من ستمائة دينار إلى ثمانمائة دينار ، حكاه
أبو إسحاق في " شرحه " .
وروى
سفيان بن الحسين عن
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، قال :
كانت قيمة الدية على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمانمائة دينار ، وكانت كذلك حتى استخلف
عمر فغلت الإبل ، فصعد المنبر فخطب وقال : ألا إن الإبل قد غلت . فقضى - يعني في الدية - على أهل الذهب بألف دينار ، وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم .
لأن الإبل إذا كانت هي المستحقة وجب أن يكون العدول عنها عند إعوازها إلى قيمتها اعتبارا بسائر الحقوق وبالحرية المقدرة بالذهب إذا عدل عنه رجع إلى قيمته ، فهذا توجيه القولين .