مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : فإن ثبتت سن رجل قلعت بعد أخذه أرشها ، قال في موضع : يرد ما أخذ ، وقال في موضع آخر : لا يرد شيئا ( قال
المزني ) رحمه
[ ص: 275 ] الله : هذا أقيس في معناه عندي لأنه لم ينتظر بسن الرجل كما انتظر بسن من لم يثغر هل تنبت أم لا ؟ فدل ذلك عندي من قوله أن عقلها أو القود منها قد تم ، ولولا ذلك لانتظر كما انتظر بسن من لم يثغر وقياسا على قوله
ولو قطع لسانه فأخذ أرشه ثم نبت صحيحا لم يرد شيئا ولو قطعه آخر ففيه الأرش تاما ومن أصل قوله أن الحكم على الأسماء ( قال
المزني ) وكذلك السن في القياس نبتت أو لم تنبت سواء إلا أن تكون في الصغير إذا نبتت لم يكن لها عقل أصلا فيترك له القياس .
قال
الماوردي : وقد تقدمت هذه المسألة وقلنا : إن
سن المثغور إذا قلعت لم ينتظر عودها ، وقضي له بقودها أو ديتها ، لأنها لا تعود في الأغلب بخلاف الصغير الذي تعود سنه في الأغلب .
فلو
عادت سن المثغور بعد أخذ ديتها ففي وجوب ردها قولان :
أحدهما : يجب ردها كالصغير ، إذا عادت سنه فعلى هذا هل يبقى منها شيء للألم وسيلان الدم أم لا ؟ على وجهين حكاهما
ابن أبي هريرة :
أحدهما : يرد الكل ولا يبقى شيء منها وهو الظاهر من كلام
الشافعي هاهنا .
والوجه الثاني : يبقى منها قدر حكومة الألم وسيلان الدم ويرد ما سواه .
والقول الثاني : اختاره
المزني أن المثغور لا يرد ما أخذه من الدية لقود سنه ، لأمرين ذكرهما
المزني :
أحدهما : أنه لما لم ينتظر بالدية عود سنه لم يلزمه ردها بعوده .
والثاني : أن دية اللسان لما لم يلزم ردها بعد نباته لم يلزم رد دية السن بعد عوده ، وكلا الأمرين معلول .
أما الأول في ترك الانتظار فلأن المعتبر في الجنايات الأغلب من أحوالها دون النادر ، والأغلب من سن المثغور أن لا تعود ، ومن سن الصغير أن تعود فانتظر بالصغير ولم ينتظر بالمثغور ، وأما نبات اللسان فهو أكثر ندورا وأبعد وجودا .
قال
أبو علي بن أبي هريرة : وقد كنا ننكر على
المزني حتى وجدنا في زماننا رجلا من أولاد الخلفاء قطع لسانه فنبت فعلمنا أن مثله قد يكون ، وإذا كان كذلك فالحكم في نبات اللسان محمول على عود اللسان .
فإن قيل : إن عود السن لا يوجب رد ديتها فأولى أن يكون نبات اللسان لا يوجب
[ ص: 276 ] رد ديته .
وإن قيل : إن عود السن يوجب رد ديته فقد اختلف أصحابنا في
عود اللسان هل يوجب رد ديته أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : وهو قول
أبي إسحاق المروزي : يوجب نبات اللسان رد ديته كما أوجب عود السن رد ديتها ، فسوى بينهما وأسقط استدلال
المزني ، فعلى هذا يستبقى قدر الحكومة في قطع الأول وجها واحدا ورد ما زاد عليها .
والوجه الثاني : وهو قول
أبي علي بن أبي هريرة : لا ترد دية اللسان وإن رد دية السن ، والفرق بينهما أن في جنس السن ما يعود في الغالب فألحق به النادر ، وليس في جنس اللسان ما يعود فصار جميعه نادرا ، ولذلك وقف سن الصغير دون الكبير ، ولم يوقف لسان الصغير والكبير فافترقا والله أعلم .