مسألة : قال
الشافعي رحمه الله : والأسنان العليا في عظم الرأس والسفلى في اللحيين ملتصقتين ، ففي اللحيين الدية وفي كل سن من أسنانها خمس من الإبل .
قال
الماوردي : أما أسنان الفم فأعلاها في عظم الرأس وأسفلها في اللحيين ، واللحيان يجتمع مقدمهما في الذقن ومؤخرهما في الأذن ، فإن
قلع الأسنان مع بقاء اللحيين كان في كل سن منها خمس من الإبل إذا لم تزد على العشرين سنا ، ويستكمل في العشرين دية كاملة ، وإن زادت على العشرين وبلغت اثنين وثلاثين سنا وهي غاية الأسنان المعهودة فإن قلعها واحدا بعد واحد كان في كل واحد منها خمس من الإبل ، فيجتمع في جميعها مائة وستون بعيرا ، وإن قلع جميعها دفعة واحدة ففيه وجهان :
أحدهما : يجب فيها كمال الدية ولا يزاد عليها ، لأن ما يجانس في البدن من ذوات الأعداد لم تجب فيه أكثر من الدية كسائر الأعضاء والأطراف .
والوجه الثاني : أنه يجب في كل سن منهما خمس ، وإن زادت على دية النفس ، لأن لكل سن منها حكمها ، وليست بعضها تبعا لبعض ، وكما لو قلعها متفرقا ، فأما
اللحيان إذا قلعهما فلا يخلو أن يكون عليهما أسنان أو لا يكون ، فإن لم يكن عليها أسنان إما في طفل لم تطلع أسنانه أو في شيخ قد سقطت أسنانه ففيها الدية ، لما فيها من كثرة الجمال وعظم المنفعة ، وأن ذهابها أخوف على النفس وأسلب للمنافع من الأذن ، فكان بإيجاب الدية أولى ، فإن
قلع أحد اللحيين وتماسك الآخر كان عليه نصف الدية ، لأنها لما كملت فيها نصفت في أحدهما كاليدين .
فأما القود فإن أمكن فيهما أو في أحدهما وجب ، وإن تعذر سقط ، وإن كان في
[ ص: 277 ] اللحيين أسنان فمعلوم أنها لا تنبت مع قلعها فعليه دية اللحيين وديات الأسنان ، ولا تدخل دياتها في دية اللحيين .
فإن قيل : فهلا دخلت ديتها في دية اللحيين لحلولها فيها كما دخلت دية الأصابع في دية اليد .
قيل : الفرق بينهما من ثلاثة أوجه :
أحدها : أن اسم اليد ينطلق على الكف والأصابع ولا ينطلق اسم اللحيين على الأسنان ولا اسم الأسنان على اللحيين .
والثاني : أن اللحيين قد يتكامل خلقهما مع عدم الأسنان في الصغير ويبقيان على كمالهما بعد ذهاب الأسنان من الكبير ، ولا يكمل خلق اليد إلا مع أصابعها ، ولا تكون كاملة بعد ذهابها .
والثالث : أن للحيين منافع غير حفظ الأسنان ، وللأسنان منافع غير منافع اللحيين ، فانفرد كل واحد منهما بحكمة وليس كذلك في منافع الكف ، لأنه يحفظ الأصابع ، فإذا زالت بطلت منافعها فصارت تبعا لهما
فلو جنى على لحييه فيبستا حتى لم ينفتحا ولم ينطبقا ضمنهما بالدية كاليد إذا شلت ، ولا يضمن دية الأسنان وإن ذهبت منافعها ، لأنه لم يجن عليها ، وإنما وقف نفعها بذهاب منافع غيرها ، نص عليه
الشافعي في كتاب " الأم " فلو
اعوج اللحيان لجنايته وجب عليه حكومة بحسب شينه وضرره ، ولا يبلغ بها الدية إذا كانا ينطبقان وينفتحان .