مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : ودية النصراني واليهودي ثلث الدية واحتج في ذلك
بعمر وعثمان رضي الله عنهما .
قال
الماوردي : اختلف الفقهاء في
دية اليهودي والنصراني من أهل الذمة والمعاهدين على أربعة مذاهب :
أحدها : وهو مذهب
أبي حنيفة : أنها كدية المسلم سواء .
وبه قال من الصحابة
ابن مسعود .
ومن التابعين
الزهري .
ومن الفقهاء
الثوري وأبو يوسف ومحمد .
والثاني : وهو مذهب
مالك أنها نصف دية المسلم ، وبه قال
عمر بن عبد العزيز وعروة بن الزبير .
والثالث : وهو مذهب
أحمد بن حنبل : إن قتل عمدا فمثل دية المسلم كقول
أبي حنيفة ، وإن قتل خطأ فنصف دية المسلم كقول
مالك .
والرابع : وهو مذهب
الشافعي : أن ديته ثلث دية المسلم في العمد والخطأ .
وبه قال من الصحابة
عمر وعثمان رضي الله عنهما .
[ ص: 309 ] ومن التابعين
سعيد بن المسيب وعطاء ، ومن الفقهاء
أبو ثور وإسحاق بن راهويه ، واستدل
أبو حنيفة على أن ديته مثل دية المسلم بقول الله تعالى :
ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله [ النساء : 92 ] ثم قال تعالى :
وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله [ النساء : 92 ] فلما أطلق ذكر الدية فيها دل على تساويهما ، وبرواية
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924517دية اليهودي والنصراني مثل نصف دية المسلم وهذا نص .
وروى
مقسم عن ابن عباس أن عمرو بن أمية الضمري قتل كافرين لهما أمان ولم يعلم بأمانهما فوداهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عنده بدية حرين مسلمين .
ولأنه حر محقوق الدم على التأبيد فوجب أن تكون ديته كاملة كالمسلم ، ولأن الحر مضمون يضمن بالدية والعبد يضمن بالقيمة ، فلما كملت قيمة العبد مسلما كان أو كافرا وجب أن تكمل دية الحر مسلما كان أو كافرا ، ولأن القتل موجب للدية والكفارة ، فلما تماثلت الكفارة في قتل المسلم والكافر وجب أن يتماثل الدية في قتل المسلم والكافر ، ولأن الكفر فسق ، والفسق لا تأثير له في الدية فكذلك الكفر ، ولأن الدية قد أوجبت حقن دمه وحفظ ماله ، فلما تساوى بها المسلم في ضمان ماله ساواه في ضمان نفسه .
وأما
مالك فدليله ما رواه
محمد بن إسحاق عن
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924519دية المعاهد نصف دية المسلم ذكره
أبو داود وقال
أحمد بن حنبل : ليس في الأخبار أصح من هذا وروى
سليمان بن موسى عن
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
nindex.php?page=hadith&LINKID=924520أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى أن عقل أهل الكتابين نصف عقل المسلم وهم اليهود والنصارى ، ذكره
رجاء بن المرجى الحافظ ، ولأن النقص نوعان : أنوثية وكفر ، فلما أوجب نقص الأنوثية إسقاط نصف الدية ، كذلك نقص الكفر .
ودليلنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=924403المسلمون تتكافأ دماؤهم فدل على أن دماء الكفار لا تكافئهم .
وروى
ابن المنذر في كتابه
nindex.php?page=hadith&LINKID=924521أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في كتاب عمرو بن حزم : وفي النفس المؤمنة مائة من الإبل فجعل الإيمان شرطا في كمال الدية ، فوجب أن لا تكمل بعدمه .
وروى
موسى بن عقبة عن
إسحاق بن يحيى عن
عبادة بن الصامت nindex.php?page=hadith&LINKID=924522أن النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 310 ] قضى أن دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم ، وهذا نص ذكره
أبو إسحاق المروزي في شرحه .
فإن قيل : حديث من روى كمال الدية أزيد والأخذ بالزيادة أولى .
فالجواب عنه أن خبرنا أزيد لفظا فكان أولى من خبرهم ، وإن كان أزيدهما لأن الأحكام مستنبطة من الألفاظ .
فإن قيل : يحمل على أنه قضى في السنة الأولى ثلث الدية لتأجيل دية الخطأ في ثلاث سنين ، فالجواب عنه أن قضاءه بأن دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم تدل على أن جميع ديته هذا القدر فلم يجز أن يحمل على قدرها وهو بعضها ، على أن ثلث الدية عندهم أقل من أربعة آلاف .
فإن قيل : يحمل على أنه قوم إبل الدية بأربعة آلاف درهم قيل : لا يصح من وجهين :
أحدهما : أن القيمة تختلف فلم يجز أن تقدر في عموم الأحوال .
والثاني : أنه قضى بالدراهم ولم يقض بها قيمة ، على أنا روينا عن
عبادة بن الصامت nindex.php?page=hadith&LINKID=924523أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في دية اليهودي والنصراني ثلث دية المسلم ، فبطل هذا التأويل .
ومن القياس : أنه مكلف لا يكمل سهمه من القيمة فوجب أن لا تكمل ديته كالمرأة ، ولا ينتقص بالصبي والمجنون ، لعدم التكليف ، ولأنه لما نقصت دية المرأة المسلمة عن دية الرجل لنقصها بالأنوثية ، وجب أن تنقص دية الرجل الكافر عن دية المرأة المسلمة لنقصه بالكفر ، لأن الدية موضوعة على التفاضل ، ولأنه لما أثر أغلظ الكفر وهو الردة في إسقاط جميع الدية وجب أن يؤثر أخفه في تخفيف الدية ، لأن بعض الجملة مؤثر في بعض أحكامها ، ولأن اختلاف الأمة في قدر الدية توجب الأخذ بأقلها كاختلاف المقومين يوجب الأخذ بقول أقلهم تقويما ، لأنه اليقين .
فأما الجواب عن استدلالهم بمطلق الدية في الآية فلا يمنع إطلاقها من اختلاف مقاديرها ، كما لم يمنع من اختلاف دية الرجل والمرأة ودية الجنين ، لأن الدية اسم لما يؤدى من قليل وكثير .
وأما حديث
عمرو بن شعيب فقد اختلفت الرواية عنه فتعارضت ، ويمكن حملها على أنها مثل دية المسلم في التغليظ والتخفيف والحلول والتأجيل حتى لا يكون نقصان قدرها موجبا لإسقاط حلولها وتغليظها .
[ ص: 311 ] وأما الجواب عن حديث
عمرو بن أمية فمن وجهين :
أحدهما : أنه لما تبرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحمل الدية عنه جاز أن يتبرع بالزيادة تألفا لقومهما .
والثاني : يجوز أن يكونا أسلما بعد الجروح وقبل موتهما فكمل بالإسلام ديتهما .
وأما الجواب عن قياسه على المسلم بعلة أنه محقون الدم على التأبيد ففاسد بالمرأة والعبد ، لا يقتضي حقن دمائهما على التأبيد كمال ديتهما ، كذلك الذمي ، على أن المعنى في المسلم كمال سهمه في الغنيمة .
وأما الجواب عن استدلاله بالعبد في استواء الكفر والإسلام في كمال قيمته فهو أنه لما تساوى فيهما الذكر والأنثى تساوى فيهما المسلم والكافر ، ولما اختلف في الدية الذكر والأنثى اختلف فيها المسلم والكافر ، وكذلك الجواب عن استدلاله بالكفارة أنه لما لم يمتنع التساوي فيها من اختلاف الذكر والأنثى في الدية كذلك تساوي المسلم والكافر فيها لا يمنع من اختلافهما في الدية .
وأما الجواب عن استدلالهم بالفسق فهو أن الفسق لا يسلبه أحكام الإسلام ، فساوى في الدية ، والكفر يسلب أحكام الإسلام ، فخالف في الدية .
وأما الجواب عن ضمان ماله كالمسلم فهو أنه لما لم يختلف ضمانه في العمد والخطأ في حق الرجل والمرأة لم يختلف في حق المسلم والكافر ، ولما اختلف ضمان الدية في حق الرجل والمرأة اختلف في حق المسلم والكافر والله أعلم .