فصل : فإذا ثبت الفرق فيها بين المقل والمكثر
فالذي يتحمله الغني المكثر منها نصف دينار والذي يتحمله المقل المتوسط ربع دينار .
وقال
أبو حنيفة : الذي يتحمله كل واحد من الغني والمتوسط من ثلاثة دراهم إلى أربعة دراهم ، لا يزاد عليها ولا ينقص منها .
وقال
أحمد بن حنبل : يتحملون ما يطيقون بحسب كثرة أموالهم وقلتها من غير أن تتقدر بشرع ، واستدل
أبو حنيفة بأن فرض الزكاة أوكد من تحمل العقل ، وأقل ما يجب في زكاة المال خمسة دراهم من مائتي درهم ، فوجب أن يكون ما يلزم في العقل أقل منها فكان أربعة دراهم أو ثلاثة ، واستدل
أحمد بقول الله تعالى
على الموسع قدره وعلى المقتر قدره [ البقرة : 236 ] .
[ ص: 354 ] ودليلنا هو أن ما أوجبه الشرع من حقوق المواساة كان مقدرا كالزكوات والنفقات فبطل به قول
أحمد ، ولكن في تقديره طريقان :
أحدهما : أن يبدأ بتقدير الأقل ، ويجعله أصلا للأكثر .
والثاني : أن يبدأ بتقدير الأكثر ويجعله أصلا للأقل .
فإن بدأت بتقدير الأقل في حق المتوسط فهو ما خرج عن حد التافه ، لأنه لو اقتصر على التافه جاز الاقتصار على القيراط والحبة وذلك مما لا يفي بالدية وينهدر به الدم ، وحد التافه ما لم يقطع فيه اليد ، لقول
عائشة رضي الله عنها : لم تكن اليد تقطع على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الشيء التافه ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924545القطع في ربع دينار فوجب أن يلزم المقل ما خرج عن حد التافه وهو ربع دينار ، وإذا لزم المقل ربع دينار وجب أن يضاعف في حق المكثر فيلزمه نصف دينار ، كما يلزم الموسر في النفقة مثلا نفقة المعسر ، وإن بدأت بتقدير الأكثر في حق المكثر فهو أن أول ما يواسي به الغني في زكاته نصف دينار من عشرين دينارا ، فحمل الغني نصف دينار ، لأن الزيادة عليه تؤول إلى الإجحاف ، ولا يقف على مقدار ، وإذا لزم الغني نصف دينار وجب أن يقتصر من المقل على نصفه كما أن نفقة المعسر نصف نفقة الموسر ، وفي هذا التقدير دليل وانفصال .