فصل : وأما الحال الثانية : وهو أن يكون
جميع عاقلته غيبا عن بلده كأنه جنى
بمكة وعاقلته
الشام ، فعلى حاكم
مكة أن يكتب إلى حاكم
بالشام حتى يفضها على
[ ص: 363 ] عاقلته
بالشام ، ولحاكم
مكة فيما يكاتب حاكم
الشام حالتان :
إحداهما : وهو أقل ما يجزئ : أن يكتب به أن يقول : ثبت عندي أن فلانا قتل فلانا خطأ مضمونا ، فيذكر القاتل باسمه ونسبه وقبيلته ، ويذكر المقتول باسمه ونسبه وإسلامه وحريته ، لاختلاف الدية بالإسلام والحرية ، ولا يلزمه أن يذكر قبيلة المقتول وإن لزمه أن يذكر قبيلة القاتل لتوجيه الحكم على قبيلة القاتل دون المقتول ، فيكون حاكم
مكة ناقلا لثبوت القتل المضمون من القاتل للمقتول ، ويختص حاكم
الشام بالحكم فيحكم بوجوب الدية على العاقلة ، ويحكم بفضها عليهم بحسب أحوالهم ، ويحكم باستيفائها منهم عند حلولها عليهم .
والحال الثانية : أن يكتب حاكم
مكة بثبوت قتل الخطأ ويحكم بالدية فيه على عاقلة القاتل وهم بنو فلان إشارة إلى قتيلهم .
فإن قيل : فكيف نقضي عليهم وهم غير حضور ولا معينين ؟
قيل : لأن حكمه على عموم القبيلة لا على أعيان كل واحد من أهلها لتوجه الحكم إلى عمومهم دون أعيانهم ، فيحتاج حاكم
الشام أن يحكم بفضها عليهم بحسب أحوالهم ويحكم باستيفائها منهم ، وقد تقدم من حاكم
مكة الحكم بوجوبها عليهم ، ولا يسع حاكم
مكة أن يزيد على هذا في فضها واستيفائها : لأن أعيان من تقضى عليه وتستوفى منه لا يعرف إلا عند الحلول والاستيفاء لتغير الأحوال في الإيسار والإعسار ، ولكن يسعه أن يقول : وحكمت على كل موسر منهم بنصف دينار وعلى كل مقل بربع دينار ، فيقطع اجتهاد حاكم
الشام في التقدير ، ولو لم يحكم بهذا كان التقدير موقوفا على حاكم
الشام ليحكم فيه برأيه .