فصل : وإن
اختلفت دية أبويه فكان أحدهما نصرانيا والآخر مجوسيا ، فمذهب
الشافعي أنه يعتبر بأغلظ أبويه دية وهو النصراني أبا كان أو أما ، فتجب فيه الغرة الواجبة في الجنين النصراني لأمرين :
أحدهما : أن موضوع الدية على التغليظ فوجب أن يكون معتبرا بأغلظهما دية كما لو كان أحد أبويه مسلما ، والآخر كافرا اعتبر فيه دية المسلم دون الكافر تغليظا ، وكما يعتبر في الصيد المتولد من بين مأكول وغير مأكول أغلظ حاليه في إيجاب الجزاء وتحريم الأكل .
والثاني : أن كمال الدية أصل في ضمان النفوس فلم ينقص منها إلا المتحقق دون المشتبه والمتحقق من النقصان هو حال أغلظهما دية ، لأن ما دونه محتمل مشتبه ، فلذلك وجب أن يعتبر بالأغلظ الأعلى دون الأقل الأدنى .
واعتباره عندي بأقلها دية أولى وأشبه بالأصول لأربعة أمور :
أحدها : أن الأصل فيمن لم تتحقق حياته سقوط الغرم إلا ما خصه الشرع من حال الجنين فلم يوجب فيه إلا ما تحققناه وهو الأقل دون ما شككنا فيه من الأكثر ، ولذلك اعتبرت قيمة الغرة بأقل الديات دون أكثرها .
والثاني : أن الأصل براءة الذمة فلم توجب فيها إلا ما تحققناه .
والثالث : أن الأصل في الكفر الإباحة إلا ما حظرته الذمة فلم يعلق بالحظر إلا ما تحققناه .
والرابع : أنه قد تقابل فيه إيجاب وإسقاط ، فوجب أن يغلب حكم الإسقاط على
[ ص: 396 ] الإيجاب حكما كما تسقط الزكاة فيما تولد من بين غنم وظباء تغليبا للإسقاط على الإيجاب والانفصال عما توجه به قول
الشافعي ظاهرا إذا حقق والله أعلم .