مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " ولو لم يقسم الولي حتى ارتد فأقسم ، وقفت الدية ، فإن رجع أخذها ، وإن قتل كانت فيئا " .
قال
الماوردي : وهذا صحيح . وإذا
ارتد الولي في القسامة ، لم تخل ردته من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن تكون ردته قبل موت القتيل ، فليس له أن يقسم ، ولا له إن أسلم بعد موته أن يقسم : لأن ردته بعد موته تمنعه من الميراث ، ولا يصير وارثا بإسلامه بعد الموت ، ولا تصح القسامة إلا من وارث . فإن لم يكن للمقتول وارث سواه فلا قسامة ، ويصير دمه هدرا . وإن كان له وارث غيره ، قام مقامه وأقسم .
والقسم الثاني : أن يرتد بعد موت القتيل وبعد قسامته ، فقد وجبت الدية بقسامته ، وتكون موقوفة على ما يكون من حال ردته ، فإن عاد إلى الإسلام دفعت إليه ، وإن مات على ردته كانت الدية مع جميع ماله فيئا في بيت المال .
[ ص: 23 ] والقسم الثالث : أن تكون ردته بعد موت القتيل وقبل قسامته ، فيمنعه الحاكم من القسامة في زمان ردته : لأن
أيمان القسامة موضوعة للزجر ، وهو مع ظهور الردة غير منزجر . ويكون الأمر موقوفا على عقبى ردته ، فإن أسلم منها أقسم وقضي له بدية . وإن مات مرتدا سقطت القسامة ، وصار الدم هدرا إن لم يكن للقتيل وارث سواه : لأن ماله يصير لبيت المال إرثا لكافة المسلمين . وليس فيهم من يتعين في القسامة ، ولا يمكن أن يقسم جميعهم ، ولا يجوز للإمام أن يقسم عنهم ، فلذلك صار الدم هدرا .
فلو
أقسم في زمان ردته واستوفى الحاكم عليه أيمان قسامته ، صحت القسامة إذا قيل : إن ملك المرتد باق عليه . وإن قيل : إن ملكه قد زال عنه بالردة ، ففي صحة قسامته وجهان :
أحدهما : لا تصح منه القسامة : لأنه لا يملك بها الدية .
والوجه الثاني : تصح منه القسامة : لأن المرتد لا يمنع من اكتساب المال ، وهذا من اكتسابه ، وإن زال ملكه عن أملاكه . فعلى هذا : إن قيل بصحة ( قسامته ) كانت الدية موقوفة إلى ما ينتهي إليه حاله ، فإن أسلم ملكها ، وإن قتل بالردة كانت فيئا ، وإن قيل ببطلان قسامته وقف أمره ، فإن أسلم استأنف القسم ، وإن قتل بالردة صار الدم هدرا . والله أعلم .