[ ص: 43 ] باب
ما يسقط القسامة من الاختلاف أو لا يسقطها
مسألة : قال
الشافعي رحمه الله : " ولو
ادعى أحد الابنين على رجل من أهل هذه المحلة أنه قتل أباه وحده . وقال الآخر - وهو عدل - : ما قتله : بأنه كان في الوقت الذي قتل فيه ببلد لا يمكن أن يصل إليه في ذلك الوقت . ففيها قولان : أحدهما : أن للمدعي أن يقسم خمسين يمينا ويستحق نصف الدية . والثاني : أن ليس له أن يقسم على رجل يبرئه وارثه . ( قال
المزني ) : قياس قوله أن من أثبت السبب الذي به القسامة حلف ، ولم يمنعه من ذلك إنكار الآخر ، كما لو أقام أحدهما شاهدا لأبيهما بدين وأنكر الآخر ما ادعاه أخوه وأكذبه أن للمدعي مع الشاهد اليمين ، ويستحق كذلك المدعي مع السبب القسامة . فالسبب والشاهد بمعنى واحد في قوله : لأنه يوجب مع كل واحد اليمين والاستحقاق ، إلا أن في الدم خمسين يمينا وفي غيره يمين " . قال
الماوردي : وصورتها : في
قتيل وجد في قبيلة عن لوث ظهر في قتله ، فادعى أحد بنيه قتله إلى رجل من أهل القبيلة فله ذلك : لأن وجود اللوث فيها يجوز دعوى قتله على جميعهم ، إذا أمكن اشتراكهم فيه ، وعلى أحدهم . فإذا خص بالدعوى أحدهم سمعت ، وكان اللوث متوجها إليه ، إذا خص بالدعوى وحده . ثم إن أخاه المشارك له في دم أبيه أكذبه في دعواه ، وقال : ما قتل هذا أبانا ، ولا حضر قتله ، وكان غائبا وقت قتله في بلد آخر . فيكون هذا تكذيبا ؛ سواء كان المكذب عدلا أو غير عدل .
وإنما شرط
الشافعي رحمه الله فيه العدالة : ليصح أن يشهد مع غيره ، يعينه المدعى عليه فيبرأ من الدعوى ولم يجعل عدالته شرطا في صحة التكذيب . فأما إن لم يقل : وكان في بلد آخر ، فقد اختلف أصحابنا ؛ هل يكون ذلك تكذيبا صحيحا أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : وهو ظاهر قول
أبي إسحاق المروزي : يكون تكذيبا صحيحا ، وإنما ذكره
الشافعي تأكيدا في التكذيب ، ولم يجعله شرطا فيه .
والوجه الثاني : وهو قول
أبي علي بن أبي هريرة : أنه شرط في التكذيب لا يصح
[ ص: 44 ] إلا به . فإن لم يقل : وكان غائبا ، لم يكن تكذيبا صحيحا : لأنه نفى ما أثبته أخوه ، والنفي لا يعارض الإثبات .
فإذا أصبح التكذيب على ما ذكرنا ، فهل يكون التكذيب مبطلا للوث ومانعا من القسامة أم لا ؟ على قولين :
أحدهما : اختيار
المزني : أنه لا يبطل اللوث من القسامة : لأن ما استحقه أحدهما بيمينه لا يبطل بتكذيب الآخر ، كالحكم بيمينه مع الشاهد . والقول الثاني : وهو اختيار
أبي إسحاق المروزي : أنه يبطل اللوث ويمنع القسامة : لأن اللوث سبب ضعيف يقتضي غلبة الظن ، فإذا تعارض فيه التكذيب أوهاه ، وإذا وها بطل وخالف اليمين مع الشاهد : لأنها نص ، واللوث استدلال يجوز أن يبطل بالتكذيب ، ولا يبطل به النص .