مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " ومتى قامت البينة بما يمنع إمكان السبب أو بإقرار ، وقد أخذت الدية بالقسامة ، ردت الدية " . قال
الماوردي : وهذا صحيح ، إذا
أقسم الولي مع ظهور اللوث على رجل بعينه ، وقضى عليه بالدية بعد القسامة ، ثم ظهر بعدها ما يمنع من الحكم بها ، فهو على ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يكون من شهود عدول ، فيشهد شاهدان أن هذا المدعى عليه القتل كان في وقت القتل غائبا في بلد آخر ، أو كان محبوسا لا يصل إلى قتله ، أو صريعا من مرض لا ينهض معه إلى حركة ، أو يشهدان أن القتيل الموجود في محلته نقل إليها بعد القتل من محلة إلى محلة أخرى ، فهذا كله مبطل للوث وموجب لنقض الحكم بالقسامة .
وهكذا : لو
شهدا أن المنفرد بالقتل كان رجلا آخر ، بطلت القسامة ولم يحكم بالقتل على الثاني : لشهادتهما قبل الدعوى عليه . فإن أعادا الشهادة بعد الدعوى لم تسمع : لأن المدعي مكذب لهما بدعواه على الأول . وإذا بطلت القسامة بهذه الشهادة ، انقسمت في إبطال الدعوى ثلاثة أقسام ، أحدها : ما يبطل به الدعوى كما بطلت به القسامة ، وهو الشهادة بأنه كان غائبا ، أو محبوسا : لاستحالتها مع صحة الشهادة .
والثاني : ما لا يبطل به الدعوى ، وإن بطلت به القسامة ، وهو الشهادة بأنه نقل من محلة إلى أخرى : لاحتمال أن يقتله في غير محلته .
والثالث : ما يبطل به نصف الدعوى وإن بطل به جميع القسامة ، وهو الشهادة بأن المنفرد بقتله رجل آخر : لأن إثبات القتل على الثاني بالشهادة مانع من أن يكون الأول منفردا بقتله ، ولا يمنع من أن يكون شريكا فيه : لأنه يجوز أن يكون جرحه من قبل الثاني ، فلم يره الشهود ، فلم يمتنع أن يكون شريكا ، وإن امتنع أن يكون منفردا . لذلك بطل نصف الدعوى ، ولم يبطل نصفها . فهذا حكم الشهادة في إبطال اللوث وإبطال الدعوى . والله أعلم .