مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " وكذلك العبد ، إلا في إقراره بجناية لا قصاص فيها ، فإنه لا يباع فيها : لأن ذلك في مال غيره ، فمتى عتق لزمه . ( قال
المزني ) : فكما لم يضر سيده إقراره بما يوجب المال ، فكذلك لا يضر عاقلة الحر قوله بما يوجب عليهم المال " .
قال
الماوردي :
إذا كانت دعوى القتل على عبد ، فهو على ضربين :
أحدهما : أن تكون في عمد يوجب القود .
والثاني : أن تكون في خطأ يوجب المال ، فإن كانت في عمد يوجب القود ، فهي
[ ص: 59 ] مسموعة على العبد دون سيده : لأن إقرار العبد بها على نفسه مقبول : لارتفاع التهمة عنه ، وإقرار السيد على عبده غير مقبول .
فإن اعترف العبد بها اقتص منه ، فإن عفي عن القصاص بيع في جنايته ، إلا أن يفديه سيده .
وإن كانت دعوى القتل في خطأ يوجب المال ، فيجوز سماعها على العبد وعلى سيده ، أما العبد فلتعلقها إن أقر بذمته وأدائه لها بعد عتقه ، وأما السيد فلأنها - إن أقر - مستحقة في رقبة عبده ، وإذا كان كذلك ، فإن سمعت على العبد فأنكرها حلف وبرئ ، وجاز أن يستأنف الدعوى على سيده بعد إنكار عبده ويمينه ، فإن اعترف بها تعلقت برقبة عبده ، وإن أنكرها حلف وبرئ .
وإن أقر بعدها تعلقت بذمته دون رقبته ، إلا أن يصدقه السيد عليها فتتعلق برقبته ، إلا أن يفديه السيد منها ، ولو قدمت الدعوى على السيد ، فإن اعترف تعلقت برقبة عبده ، إلا أن يفديه السيد منها . وسواء كان العبد فيها مقرا أو منكرا ، وإن أنكرها السيد حلف وبرئ ، وجاز أن يستأنف الدعوى على العبد . فإن أنكرها حلف وبرئ ، وإن اعترف بها تعلقت بذمته ، يؤديها بعد عتقه ويساره . فلو أنكرها العبد ونكل عن اليمين فيها ، فردت على المدعي وحلف ، ثبتت له الجناية بيمينه بعد النكول ، وهل تتعلق برقبته أو بذمته ؟ على قولين مبنيين على اختلاف قوليه في يمين المدعي بعد نكول المدعى عليه ، هل تقوم مقام البينة أو مقام الإقرار ؟ فإن قيل : إنها تقوم مقام البينة تعلقت برقبته . وإن قيل : إنها تقوم مقام الإقرار تعلقت بذمته .
فأما
المزني فإنه قال : كما لا يضر سيده إقراره بما يوجب المال ، فكذلك لا يضر عاقلة الحر . قوله هذا صحيح : لأن العاقلة لا تتحمل اعتراف الجاني ، كما لا يلزم السيد إقرار عبده . والله أعلم .