فصل :
فإذا تقرر ما ذكرنا ، فصورة مسألتنا في
شاهدين شهدا على رجلين أنهما قتلا زيدا ، وشهد الرجلان المشهود عليهما أن الشاهدين الأولين هما اللذان قتلا زيدا ، فللولي حالتان :
أحدهما : أن تصح منه الدعوى .
والثاني : أن لا تصح منه ، فإن صحت منه الدعوى لبلوغه وعقله ، سأله الحاكم عما يدعيه من القتل على من يعينه من الأربعة ، وهو في ذلك على ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يدعيه على الآخرين اللذين شهد عليهما الأولان ، فتكون شهادة الأولين عليهما ماضية ، ويحكم للولي على الآخرين بالقتل : لسلامة الأولين عند شهادتهما ، وتهمة الآخرين في الشهادة بالدفع عن أنفسهما ، وهل يلزم الحاكم أن يستعيد الشهادة منهما بعد الدعوى أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : لا يستعيدها ، ويحكم بما تقدم من شهادتهما : لأنه لا يستعيد بها زيادة علم .
والوجه الثاني : يلزمه استعادتهما ، ولا يجوز له أن يحكم بما تقدم منها : لأنه لا يجوز أن يكون الحكم سابقا للدعوى .
[ ص: 77 ] والقسم الثاني : أن يدعي الولي قتله على الأولين دون الآخرين ، فشهادتهما على الأولين باطلة : لأنهما قد صارا عدوين لهما ، ومتهمين في شهادتهما .
والقسم الثالث : أن يدعي قتله على جماعتهم ، فتبطل الشهادتان : لإكذابه لهما ، وإقراره بفسقهما ، وإن كان الولي ممن لا تصح منه الدعوى لصغره ، أو جنونه ، فقد اختلف أصحابنا ، هل يقضي الحاكم بموجب الشهادة أو يوقفها على بلوغ الولي وعقله ؟ على وجهين :
أحدهما : وهو قول
أبي إسحاق المروزي يقضي بموجب الشهادة ، ويقضي على الآخرين بالقتل بشهادة الأولين .
والوجه الثاني : أنه يقف الشهادة ، ولا يبت الحكم فيها حتى يبلغ ، ويفيق المجنون ، ثم يرجع إليه في الدعوى ويعمل على ما بينه وادعاه من الأقسام الثلاثة : لتردد الشهادة بين إيجاب وإسقاط ، فلم يحكم بأحدهما مع احتمالهما . فأما إذا اتفقت شهادة بعض ولم تتقدم إحداهما على الأخرى ، فكلتا الشهادتين باطلة ، لا يحكم بواحدة منهما ، ولا يرجع فيهما إلى دعوى الولي : لتعارض الشهادتين في التدافع بهما ، والله أعلم .