مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : "
ولو قال أحدهما : قتله غدوة . وقال الآخر : عشية . أو قال أحدهما : بسيف . والآخر : بعصا . فكل واحد منهما مكذب لصاحبه ، ومثل هذا يوجب القسامة " .
قال
الماوردي : إذا تعارض الشاهدان فأثبت كل واحد منهما ما نفاه الآخر ، فذلك ضربان :
أحدهما : أن تكون شهادتهما على فعل القتل .
والثاني : أن تكون على الإقرار بالقتل ، فإن كانت على فعل القتل ، فقال أحدهما : قتله غدوة ، أو في يوم السبت . وقال الآخر : قتله عشية ، أو في يوم الأحد . أو قال أحدهما : قتله بسيف . وقال الآخر : بعصا . أو قال أحدهما : قتله
بالبصرة . وقال الآخر :
بالكوفة . فهما وإن اتفقا على الشهادة بالقتل ، فقد تعارضا في صفته ، فصارا متكاذبين : لأن قتله غدوة غير قتله عشية ، وقتله بسيف غير قتله بعصا ، فلا يحكم بشهادتهما ولا بشهادة واحد منهما مع يمين المدعي في عمد ولا خطأ .
وقال
ابن أبي ليلى : أعزر الشاهدين وأحكم بفسقهما : لاجتماعهما على كذب مستحيل .
وعند
الشافعي وأبي حنيفة : لا تعزير عليهما ولا تفسيق : لأحد أمرين :
أحدهما : لجواز الاشتباه عليهما ، فيخرجان بالشبهة عن الفسق والكذب .
[ ص: 79 ] والثاني : أن كذب أحدهما لا يمنع صدق الآخر ، وقد اشتبه الصادق من الكاذب ، فإذا ثبت أن شهادتهما مردودة ، فقد نقل
المزني ها هنا : " ومثل هذا يوجب القسامة " . ونقل
الربيع في كتاب الأم : ومثل هذا لا يوجب القسامة . فاختلف أصحابنا في اختلاف هذين النقلين على ثلاثة أوجه :
أحدها : وهو قول
أبي إسحاق المروزي : أن الصحيح ما نقله
المزني ها هنا ، أنه يوجب القسامة ، ويكون
الربيع ساهيا في زيادة " لا " : لأنهما قد اتفقا على الشهادة بالقتل .
والوجه الثاني : وهو قول
أبي الطيب بن سلمة : أن الصحيح ما نقله
الربيع أنه لا يوجب القسامة ، ويكون
المزني ساهيا في حذف " لا " : لأن تكاذبهما يسقط شهادتهما .
والوجه الثالث : أن كلا النقلين صحيح ، وأنه على قولين مثل تكاذب الوليين :
أحدهما : يوجب القسامة .
والثاني : لا يوجبها .