مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : "
ولو شهد أحد الورثة أن أحدهم عفا القود والمال فلا سبيل إلى القود وإن لم تجز شهادته وأحلف المشهود عليه ما عفا المال ويأخذ حصته من الدية ، وإن كان ممن تجوز شهادته حلف القاتل مع شهادته لقد عفا عنه القصاص والمال وبرئ من حصته من الدية " .
[ ص: 82 ] قال
الماوردي : وصورتها في قتل عمد ، ترك ابنين شهد أحدهما على أخيه بالعفو ، فلا تخلو شهادته عليه من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يشهد عليه بعفوه عن القود وحده ، فيسقط القود بهذه الشهادة في حق الشاهد والمشهود عليه بحكم الإقرار ، لا بحكم الشهادة ، ويستوي فيها من تجوز شهادته ومن لا تجوز : لأن الشاهد على أخيه بالعفو مقر لسقوط القود في حق نفسه : لأن القود لا يتبعض ، وعفو أحد الأولياء عنه موجب لسقوطه في حقوق جميعهم ، وإذا سقط في حق الشاهد ، سقط في حق المشهود عليه ،
ولا يمين على القاتل في إثبات العفو ، ولا على المشهود عليه في نفيه : لسقوط القود بمجرد الإقرار ، وقضي لهما بدية العمد على سواه .
والقسم الثاني : أن يشهد عليه بعفوه عن الدية دون القود ، فينظر حال الشاهد ، فإن كان ممن لا تجوز شهادته بجرحه ، رد قوله ، ولم يحكم به في شهادة ولا إقرار : لأن المجروح لا يشهد ، والإقرار لا يؤثر ، وكان المشهود عليه على حقه من القود والدية . وإن كان الشاهد ممن تجوز شهادته لعدالته لم تؤثر بشهادته في القود : لأنه ما شهد بالعفو عنه ، وكان أخوه على حقه منه ، وهل تكون شهادته مؤثرة في العفو عن الدية أم لا ؟ على وجهين مخرجين من اختلاف قوليه في قتل العمد ، والذي يجب به على قولين :
أحدهما : أنه موجب لأحد أمرين من القود ، أو الدية . فعلى هذا : تؤثر شهادة الأخ في العفو عن الدية ، إذا حلف معه القاتل لقد عفا عن الدية : لأن الإبراء من المال يحكم فيه بالشاهد واليمين ، فيسقط حقه من الدية ويتعين حقه في القود ، ويكون مخيرا بين استيفائه ، أو إسقاطه من غير دية .
والقول الثاني : أن قتل العمد موجب للقود وحده ، فأما الدية فلا تجب إلا باختيار الولي . فعلى هذا : لا تؤثر هذه الشهادة ، وإن حلف معها القاتل : لأنها بينة على الإبراء من الدية قبل استحقاقها ، ويكون الأخ المشهود عليه مخيرا بين القود والعفو عنه ، لا اختيار الدية .
والقسم الثالث : أن يشهد عليه بعفوه عن القود والدية معا ، فالقود قد سقط بكل حال ، سواء كان الشاهد ممن تجوز شهادته أو لا تجوز لما بيناه من قبل ، فأما الدية فهي معتبرة بحال الشاهد ، فإن كان ممن لا تجوز شهادته كانت شهادته مردودة ، وحلف المشهود عليه ما عفا عن الدية ، ولا يحتاج أن يذكر في يمينه وما عفا عن القود . ولا يختلف أصحابنا فيه : لأن يمينه موضوعة لإثبات ما يستحقه وهو يستحق الدية دون القود ، وإن كان الشاهد ممن تجوز شهادته أبرأت شهادته قولا واحدا إذا حلف معها
[ ص: 83 ] القاتل على العفو ، وكانت بينة تامة في الإبراء . وفي صفة يمين القاتل ها هنا مع شاهده وجهان :
أحدهما : ذكره
الشافعي رضي الله عنه في كتاب الأم ، وقاله
أبو إسحاق المروزي : يحلف : لقد عفا عن الدية . ولا يذكر أنه عفا عن القود : لسقوط القود بإقرار الأخ دون شهادته ، وكما يحلف الأخ إذا ردت شهادة أخيه أنه ما عفا عن الدية ، ولا يذكر القود .
والوجه الثاني : ذكره
الشافعي في هذا الموضوع ، وقاله
أبو علي بن أبي هريرة : أنه يحلف القاتل مع شاهده : لقد عفا عن القود والدية : لأن هذه يمين تقوم مقام شاهد ، فكانت على لفظ الشهادة ، وخالفت يمين الأخ : لاختصاصها بإثبات المستحق . والله أعلم .