مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " وتجوز الوكالة في تثبيت البينة على القتل عمدا أو خطأ ، فإذا كان القود لم يدفع إليه حتى يحضر الولي أو يوكله بقتله فيكون له قتله " .
قال
الماوردي : قد مضت هذه المسألة في كتاب الوكالة ، وأعادها
المزني في أول كتاب الجنايات ، ثم كررها في هذا الموضع من كتاب القسامة ، ونحن نشير إليها مع تقدم استيفائها . والوكالة ضربان :
أحدهما :
في تثبيت القصاص ، فتصح في قول الجمهور : ولأنها وكالة في إثبات حق . ومنع منها
أبو يوسف : لأنه حد يدرأ بالشبهة . فإذا ثبت القصاص لم يكن للوكيل أن يستوفيه في قول الجمهور : لقصور تصرفه على ما تضمنته الوكالة من تثبيت القصاص دون استيفائه . وجوز له
ابن أبي ليلى الاستيفاء : لمطلق الوكالة ، كما جوز له بمطلقها في المبيع قبض الثمن ، وقد ذكرنا الفرق بينهما ، فإن اقتص الوكيل وجب عليه القود .
[ ص: 87 ] والضرب الثاني : أن يكون له استيفاء القصاص . فظاهر ما نص عليه في هذا الموضع
جواز الوكالة ، وظاهر ما نص عليه في كتاب الوكالة بطلانها ، فاختلف أصحابنا ، فمنهم من خرجه على اختلاف قولين ، وقد شرحنا كلا الطريقتين ، فإن قيل : بأن الوكالة في الاستيفاء لا تصح ، منع الوكيل من القصاص ، فإن اقتص فقد أساء ، ولا ضمان عليه : لأنه مأذون له فيه مع فساد عقده . وإن قيل : بجواز الوكالة في الاستيفاء ، فإن عقدت الوكالة بعد ثبوت القصاص صحت ، وإن عقدت قبل ثبوت القصاص ففي صحتها وجهان :
أحدهما : وهو قول
أبي إسحاق المروزي : لا تصح الوكالة لعقدها قبل ثبوت الاستحقاق .
والوجه الثاني : تصح الوكالة : لأن القصاص مستحق بالقتل ، فصارت الوكالة معقودة بعد الاستحقاق ، وهكذا لو جمع له في عقد الوكالة بين تثبيت القصاص ، وبين استيفائه ، صحت الوكالة في إثباته ، وفي صحتها في استيفائه وجهان .
فإذا صحت الوكالة في الاستيفاء ، فهل يلزم إحضار الموكل إلى حيث يعلم الوكيل أو الحاكم بطلبه وعفوه ؟ على وجهين :
أحدهما : وهو قول
أبي إسحاق المروزي ، يلزم حضوره إلى حيث لا يخفى على الوكيل أو الحاكم حاله في بقائه على الطلب أو حدوث العفو : لأنه قود يفوت استدراكه ، والظاهر من أحوال أهل الدين الذين وصفهم الله تعالى بالرأفة والرحمة أن يعفو بعد ظهور القدرة .
والوجه الثاني : لا يلزم أن يقرب كما لم يلزمه أن يحضر : لأن ظاهر حاله بقاؤه على استيفاء ما وكل فيه ، ولا يمنع من ذلك فوات استدراكه كما لم يمنع من التوكيل في عقد النكاح ، وفي الطلاق الثلاث ، مع فوات استدراكه ، والله أعلم .