مسألة : قال
الشافعي ، رضي الله عنه : " ومن
أحرم في مسجد ، أو غيره ، ثم جاء الإمام فتقدم بجماعة فأحب إلي أن يكمل ركعتين ، ويسلم يكونان له نافلة ، ويبتدئ الصلاة معه ، وكرهت له أن يفتتحها صلاة انفراد ، ثم يجعلها صلاة جماعة ، وهذا يخالف صلاة الذين افتتح بهم النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ، ثم ذكر ، فانصرف ، فاغتسل ، ثم رجع ، فأمهم لأنهم افتتحوا الصلاة جماعة ، وقال في القديم : قال قائل : يدخل مع الإمام ويعتد بما مضى . ( قال
المزني ) : هذا عندي على أصله أقيس لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن في صلاة فلم يضرهم وصح إحرامهم ولا إمام لهم ، ثم ابتدأ بهم وقد سبقوه بالإحرام وكذلك سبقه
أبو بكر ببعض الصلاة ، ثم جاء فأحرم ، وائتم به
أبو بكر ، وهكذا القول بهذين الحديثين وهو القياس عندي على فعله صلى الله عليه وسلم " .
[ ص: 337 ] قال
الماوردي : وهذا كما قال : إذا
أحرم الرجل منفردا بفرض وقته من ظهر ، أو عصر في مسجد ، أو غيره ، ثم دخل الإمام فأنشأ الإحرام بتلك الصلاة جماعة ، فيختار لهذا المنفرد أن يتم صلاته ركعتين ويسلم ، يكونان له نافلة ، ويبتدئ الإحرام بتلك الصلاة خلف الإمام ليؤدي فرضه في جماعة ، وإن قطع صلاته ، وابتدأ الإحرام خلف الإمام جاز ، وقد بطل حكم ما ابتدأه منفردا ، وإن بنى على صلاته منفردا ، ولم يتبع الإمام جاز ، وإن تبع الإمام بإحرامه المتقدم وعلق صلاته بصلاته فقد أساء ، وفي بطلان صلاته قولان :
أحدهما : قاله في القديم ، والإمام صلاته باطلة .
والقول الثاني : هو الذي نقله
المزني ويقتضيه مذهبه في الجديد لما علل به في القديم أن صلاته جائزة ، لأنه قال في القديم : ومن أجاز الصلاة بإمامين أجاز هذا ، ومذهبه في الجديد جواز الصلاة بإمامين ، وبه قال
أبو حنيفة .
ومن أصحابنا من خرج في صلاته قولا ثالثا ، إن كان قد سبقه بقدر الإحرام فصلاته جائزة ، وإن كان قد سبقه بقدر ركعة فصلاته باطلة ، ومنهم من أنكر هذا القول ، وجعل المسألة على قولين في الموضعين .
فإذا قيل ببطلان صلاته ، فوجهه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921482إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا فأمر أن يكون تكبير المأموم عقيب تكبير الإمام ، فوجب إذا سبقه بالتكبير أن تبطل صلاته لمخالفة أمره صلى الله عليه وسلم ، ولأنه عقد صلاته قبل صلاة الإمام ، فوجب أن لا يجوز له الائتمام فيها بالإمام . أصله ما نص عليه
الشافعي فيمن وقف خلف الإمام ليحرم معه فسبق إمامه بالإحرام نص
الشافعي على بطلانه كذلك في مسألتنا لعلة ما ذكرنا ، ولأن المأموم يلزمه اتباع إمامه في موقفه وأفعاله ، ثم تقرر أنه إن تقدم إمامه في موقف الصلاة لم يجز ، فكذلك إذا تقدمه في أفعالها .
وإذا قيل بصحة صلاته في القول الثاني ، فوجهه ما روي
nindex.php?page=hadith&LINKID=921652أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم بأصحابه ، ثم ذكر أنه جنب ، فقال لهم : " كونوا كما أنتم " ودخل ، واغتسل ، وخرج ، ورأسه يقطر ماء ، واستأنف الإحرام وبنى القوم على إحرامهم ، فلما سبقوه بالإحرام ولم يأمرهم باستئنافه ، وقد خرجوا بالجنابة من إمامته دل على
صحة صلاة المأموم إذا سبق الإمام ببعض صلاته ، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف
أبا بكر ، رضي الله عنه ، على الصلاة ، فأحرم بهم ، ثم وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة فتقدم ، وتأخر
أبو بكر ، رضي الله عنه ، وصلى الناس خلف النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد سبقوه بالإحرام ، ولأن
صلاة الجماعة لا تنعقد إلا بإمام ومأموم فلما جاز للإمام أن يفتتح صلاة انفراد ثم يأتم
[ ص: 338 ] به رجل فتصير جماعة ، جاز للمأموم أن يفتتح الصلاة منفردا ، ثم يأتم برجل فتصير صلاة جماعة .
وتحريره قياسا أن نقول : إنها صلاة افتتحها منفردا فجاز أن تصير صلاة جماعة كالإمام ، ولأن الصلاة طرفان ابتداء وانتهاء ، فلما جاز أن يكون في ابتدائها جامعا ، وفي انتهائها منفردا إذا أحدث إمامه أو مات ، جاز أن يكون في ابتدائها منفردا وفي انتهائها جامعا ، ولأن
صلاة الانفراد أنقص من صلاة الجماعة ، وبناء الأفضل على الأنقص جائز فيما يصح إتيانه منفردا ، كبناء صلاة المسافر على صلاة المقيم .