مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " وإذا كانت لأهل البغي جماعة تكبر ويمتنع مثلها بموضعها الذي هي به بعض الامتناع حتى يعرف أن مثلها لا ينال إلا حتى تكثر نكايته ، واعتقدت ونصبت إماما وأظهرت حكما وامتنعت من حكم الإمام العادل ، فهذه الفئة الباغية التي تفارق حكم من ذكرنا قبلها ، فإن فعلوا مثل هذا فينبغي أن يسألوا ما نقموا ، فإن ذكروا مظلمة بينة ردت ، وإن لم يذكروها بينة ، قيل : عودوا لما فارقتم من طاعة الإمام العادل ، وأن تكون كلمتكم وكلمة أهل دين الله على المشركين واحدة ، وأن لا تمتنعوا من الحكم ، فإن فعلوا قبل منهم ، وإن امتنعوا قيل : إنا مؤذنوكم بحرب ، فإن لم
[ ص: 114 ] يجيبوا قوتلوا ولا يقاتلوا حتى يدعوا ويناظروا إلا أن يمتنعوا من المناظرة فيقاتلوا حتى يفيئوا إلى أمر الله " .
قال
الماوردي : وجملة أهل البغي أنهم ضربان :
ضرب
خرجوا عن القدرة بالامتناع والكثرة ، ولا يوصل إليهم إلا بالجيوش والمقاتلة .
فهم من قدمنا ذكره في إباحة قتالهم ، وأن أهل العدل لا يضمنون ما استهلكوه عليهم في ثائرة الحرب من دماء وأموال ، وفي تضمين أهل البغي ما استهلكوه عن أهل العدل في ثائرة الحرب من دماء وأموال قولان :
والضرب الثاني :
من كان تحت القدرة ، وهم ضربان :
أحدهما : أن يختلطوا بأهل العدل
كابن ملجم وأشياعه ، فأحكامنا عليهم جارية في الحقوق والحدود ، وهم مؤاخذون بضمان ما استهلكوه من دماء وأموال ، سواء استهلكوها على أهل العدل ، أو استهلكوها بعضهم على بعض ، ويؤخذ أهل العدل بضمان ما استهلكوه عليهم من دماء وأموال .
والضرب الثاني : أن ينفردوا بدار لكثرتهم وقوتهم غير أنهم لم يتظاهروا بخلق الطاعة ، ولا امتنعوا من أداء الحقوق ، فهؤلاء يجب الكف عنهم ، ولا يجوز قتالهم ما أقاموا على حالهم ، وإن خالفوا أهل العدل في معتقدهم .
فقد اعتزل
أهل النهروان عليا وخالفوه في رأيه ، فولى عليهم
عبد الله بن خباب بن الأرت عاملا ، فأطاعوه ، فكف عنهم ، ثم قتلوه ، فأرسل إليهم علي أن سلموا إلي قاتله أقيد منه ، قالوا : كلنا قتله . فسار إليهم حتى قتلهم مع كثرة عددهم .
فدل على أن ما فعلوه قبل التظاهر بخلع الطاعة هم به مؤاخذون وله ضامنون .
كذلك من كان مثلهم ، ويصير مخالفا لحكم من تظاهر بخلع الطاعة من وجهين :
أحدهما : في قتالهم إذا تظاهروا بخلع الطاعة ، والكف عنهم إذا لم يتظاهروا .
والثاني : في سقوط الضمان عنهم إذا تظاهروا ، في أصح القولين ، ووجوب الضمان عليهم قولا واحدا إذا لم يتظاهروا ، والله أعلم .