مسألة : قال
الشافعي رحمه الله تعالى : " ولو أن
قوما أظهروا رأي الخوارج وتجنبوا الجماعات وأكفروهم لم يحل بذلك قتالهم . بلغنا أن
عليا رضي الله عنه سمع رجلا يقول : لا حكم إلا لله في ناحية المسجد ، فقال
علي رضي الله عنه : كلمة حق أريد بها باطل ، لكم علينا ثلاث : لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله ، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا ، ولا نبدؤكم بقتال " . قال
الماوردي : أما
الخوارج ، فهم الخارجون عن الجماعة بمذهب ابتدعوه ورأي اعتقدوه ، يرون أن من ارتكب إحدى الكبائر كفر وحبط عمله ، واستحق الخلود في النار ، وأن دار الإسلام صارت بظهور الكبائر فيها دار كفر وإباحة ، وأن من تولاهم وجرى على حكمهم فكذلك .
فاعتزلوا الجماعة وأكفروهم ، وامتنعوا من الصلاة خلف أحد منهم ، وسموا شراة ، واختلف في تسميتهم على وجهين :
[ ص: 118 ] أحدهما : أنه تسمية ذم ، سماهم به أهل العدل : لأنهم شروا على المسلمين وحاربوا جماعتهم . والثاني : أنه تسمية حمد ، سموا بها أنفسهم : لأنهم شروا الدنيا بالآخرة ، أي : باعوها .
فإذا
اعتقد قوم رأي الخوارج وظهر معتقدهم على ألسنتهم ، وهم بين أهل العدل غير منابذين لهم ولا متجرئين عليهم ، تركوا على حالهم ، ولم يجز قتلهم ولا قتالهم ، ولم يؤخذوا جبرا بالانتقال عن مذهبهم ، والرجوع عن تأويلهم ، وعدل إلى مناظرتهم وإبطال شبهتهم بالحجج والبراهين ، وإن كانوا عليها مقرين .
فقد أقرهم
علي بن أبي طالب عليه السلام قبل أن يعتزلوه ، وسمع قائلهم يقول : لا حكم إلا لله تعريضا به في تحكيمه يوم
صفين .
فقال
علي : كلمة حق أريد بها باطل . وهذا أحسن جواب لمن عرض بمثل هذا القول . ثم قال : لكم علينا ثلاث : لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله ، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم معنا ، ولا نبدؤكم بقتال .
فجعل هذه الأحكام فيهم كهي في أهل العدل ، واقتضى في ذلك سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين في كفه عنهم مع علمه بمعتقدهم : لتظاهرهم بطاعته مع استبطان معصيته .
فإن صرح
الخوارج بسب الإمام ، وسب أهل العدل ، عزروا للأذى وذبا عن منصب الإمامة .
وإن عرضوا به من غير تصريح ، ففي تعزيرهم وجهان :
أحدهما : لا يعزرون : لأن
عليا لم يعزر من عرض ، لفرق ما بين التعريض والتصريح .
والثاني : أنهم يعزرون : لأن الإقرار على التعريض مفض إلى التصريح ، فكان التعزير حاسما لما بعده من التصريح .