مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " وإن سألوا أن ينظروا ، لم أر بأسا على ما يرجو الإمام منهم . وإن خاف على الفئة العادلة الضعف عنهم ، رأيت تأخيرهم إلى أن تمكنه القوة عليهم " .
قال
الماوردي : إذا
سأل أهل البغي إنظارهم والحرب قائمة ، فهو على ضربين :
أحدهما : أن يكون ما سألوه من الإنظار قريبا كاليوم إلى ثلاثة أيام ، لا تتفرق فيها العساكر ، ولا يتباعد فيه معسكره ، فيجابون إليه ، وينظرهم هذه المدة ، وعسكره مقيم عليهم ، ويتحرز في هذه المدة منهم : لأن قتالهم لا يدوم اتصاله ليلا ونهارا ، ولا بد فيه من استراحة عسكره ودوابه ، فيجعلها إجابة لسؤالهم إعذارا وإنذارا .
والضرب الثاني : أن يسألوه الإنظار مدة طويلة كالشهر وما قاربه ، يبعد فيها المعسكر ويتفرق فيها العساكر ، فينبغي للإمام أن يجتهد رأيه في الأصلح ، بالكشف عن سرائرهم وعن أحوال عسكرهم .
فإن علم من مسألتهم الإنظار : ليستوضحوا الحق من الباطل ، أو ليجمعوا كلمة جماعتهم على الطاعة أنظرهم ، سواء كان في عسكره قوة عليهم أو ضعف عنهم : لأن المقصود منهم عودهم إلى الطاعة دون الاصطلام .
وإن علم أنهم سألوه الإنظار : ليجمعوا فيها ما يتقوون به عليه ، إما من عساكر أو أموال ، أو سألوه الإنظار : ليطلبوا له المكايد ، أو ليتفرق عنه العسكر فيثقل عليه العود . نظر حينئذ إلى حال عساكره :
فإن وجد فيهم قوة على قتالهم وصبرا على مطاولتهم ، لم ينظرهم وأقام على حربهم حتى يذعنوا بالطاعة أو ينهزموا .
وإن وجد في عسكره ضعفا عنهم وعجزا عن مطاولتهم ، أنظرهم ليلتمس القوة عليهم إما بعساكر أو بأموال ، وجعل ظاهر الإنظار إجابة لسؤالهم : ليقيموا على الكف والموادعة ، وباطن إنظارهم التماس القوة عليهم حتى لا يغفل عنهم .
[ ص: 124 ]