مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " وإن غلبوا على بلاد فأخذوا صدقات أهلها ، وأقاموا عليهم الحدود لم تعد عليهم " .
قال
الماوردي : وهذا صحيح ، إذا
تغلب أهل البغي على بلد فأخذوا صدقاتها وجبوا خراجها وأقاموا الحدود على أهلها ، أمضى الإمام ما فعلوه إذا ظهر على بلادهم ولم يطالب بما جبوه من الحقوق ، ولم يعد ما أقاموه من الحدود : لأن
عليا رضوان الله عليه أمضى ذلك ولم يطالب به .
ولأنهم متأولون في جبايته وإقامته .
ولأنه لا يلزم أن يؤدي زكاة عام مرتين ، ولا يقام على زان حدان .
فإن
ادعى أصحاب الحدود إقامتها عليهم قبل قولهم فيها ، ولم يحلفوا عليها : لأنها حدود تدرأ بالشبهات .
فإن
ادعى من عليه الحقوق ، دفعها إليهم .
فإن كانت زكاة قبل قولهم في دفعها ولم يكلفوا البينة عليها : لأنهم فيها أمناء .
فإن اتهموا أحلفوا ، وفي يمينهم بعد اعترافهم بوجوبها وجهان :
أحدهما : أنها مستحبة ، إن نكلوا عنها لم تؤخذ منهم .
والثاني : أنها واجبة ، إن نكلوا عنها أخذت منهم بالاعتراف المتقدم ، دون النكول .
وإن كان الحق الذي ادعوا أداءه جزية أو خراجا :
فإن كان على كافر : كلف البينة ، ولم تقبل دعواه : لأن الجزية أجرة ، والخراج إما
[ ص: 134 ] أن يكون ثمنا أو أجرة ، ولا يقبل قول المستأجر في دفع الأجرة ، ولا قول المشتري في دفع الثمن إلا ببينة .
فإن أقاموا البينة على دفعها برئوا .
وإن لم يقيموها أخذت منهم الجزية والخراج .
وإن كان الخراج على مسلم : ففي قبول قوله في دفعه وجهان :
أحدهما : يقبل قوله فيه ، ويحلف إن اتهم عليه كالزكاة .
والوجه الثاني : وهو أصح ، أن قوله فيه غير مقبول حتى يقيم البينة على الأداء ، فإن لم يقمها أخذت منه .
فإن أحضروا خطوطا بقبضها . . فإن كانت محتملة للشبهة : لم يعمل بها في الأحكام ، ولا في حقوق الأموال .
وإن كانت سليمة من الاحتمال ظاهرة الصحة ، لم يعمل عليها في الأحكام ، ولا في حقوق المعاملات .
وفي جواز العمل بها في حقوق بيت المال وجهان :
أحدهما : يجوز العمل بها ، اعتبارا بالعرف فيها .
والوجه الثاني : وهو أصح ، أنه لا يجوز بها على العموم في جميع الأحكام والحقوق : لدخول الاحتمال فيها وإمكان التزوير عليها .