مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " ويوقف ماله " .
قال
الماوردي : حكم الردة مشتمل على فصلين :
أحدهما : حكمها في نفس المرتد ، وهو القتل وقد مضى .
والثاني : حكمها في مال المرتد ، وهو مشتمل على فصلين :
أحدهما : بقاء ماله على ملكه .
والثاني : جواز تصرفه فيه .
فأما
بقاؤه على ملكه ، فقد ذكر
الشافعي فيه قولين ، وثالثا اختلف أصحابنا في تخريجه :
أحدهما : - وهو المنصوص عليه في هذا الموضع - أن ملكه موقوف مراعى
فإن عاد إلى الإسلام بان أن ماله كان باقيا على ملكه ، وإن قتل بالردة بان أن ماله زال عن ملكه بنفس الردة ، فيصير ماله معتبرا بنفسه .
والقول الثاني : - نص عليه في زكاة المواشي - أن ماله باق على ملكه ، إلى أن يقتل بالردة ، فيزول ملكه عنه بالقتل أو بالموت : لأن المال لا ينفك عن مالك ، فلما لم ينتقل إلى ملك غيره إلا بالموت ، علم بقاؤه على ملكه إلى وقت الموت .
والثالث المختلف في تخريجه : - ذكره في كتاب المدبر - أن تدبير المرتد باطل في أحد أقاويله الثلاثة : لأن ملكه خارج عنه . فاختلف أصحابنا في معنى تعليله بأن ملكه خارج عنه على وجهين :
أحدهما : وهو قول
أبي العباس بن سريج وطائفة ، أنه أراد به خروج ماله عن تصرفه مع بقائه على ملكه : لأنه لو خرج عن ملكه بالردة ما عاد إليه إلا بتمليك مستجد ، ومنعوا من تخريجه قولا ثالثا .
والوجه الثاني : وهو قول كثير منهم ، أنه أراد به زوال ملكه عن ماله ، فإن عاد إلى
[ ص: 161 ] الإسلام عاد المال إلى ملكه ، كالخل إذا انقلبت بنفسها خمرا زال عن ملك صاحبه ، فإن صار الخمر خلا عاد إلى ملكه .
وخرج قائل هذا الوجه في ماله ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن ماله باق على ملكه حتى يقتل أو يموت ، وهو الأصح ، وبه قال
أبو حنيفة .
والثاني : أن ماله قد زال عن ملكه قتل أو لم يقتل ، فإن عاد إلى الإسلام عاد إلى ملكه بإسلامه ، وبه قال
مالك بن أنس .
والثالث : أن ماله موقوف مراعى ، فإن عاد إلى الإسلام فماله لم يزل باقيا على ملكه ، وإن قتل أو مات علم أن ماله زال عن ملكه بنفس الردة .
وعلى هذه الأقاويل يكون حكم ما استفاد ملكه في ردته بهبة أو صدقة أو وصية أو اصطياد أو احتشاش .
فإن قيل بالأول : إن ملكه المتقدم باق على ملكه ، ملك ما استفاده في ردته ، وصار مضافا إلى قديم ملكه .
وإن قيل بالثاني : أن ماله خرج بالردة عن ملكه ، لم يملك ما استفاده في ردته : لأنه لما لم يملك ما استقر عليه ملكه ، فأولى أن لا يملك ما لم يستقر له عليه ملك .
وإن قيل بالثالث : إنه موقوف مراعى ، كان ما استفاده في الردة موقوفا مراعى :
فإن عاد إلى الإسلام ملكه مع قديم ملكه .
وإن قتل بالردة لم يملكه .
فإن كان عن هبة أو وصية : بطلت ، وعاد إلى الواهب والموصي .
وإن كان اصطيادا أو احتشاشا : كان على أصل الإباحة .