مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : "
ولا يسبى للمرتدين ذرية وإن لحقوا بدار الحرب : لأن حرمة الإسلام قد ثبتت لهم ، ولا ذنب لهم في تبديل آبائهم " .
قال
الماوردي : أما المرتدون إذا كانوا في دار الإسلام ولم يلحقوا بدار الحرب ، فلا خلاف نعرفه في أنه لا يجوز سبيهم ولا استرقاقهم : تغليبا لما تقدم من حرمة إسلامهم .
ولا يجوز أن تؤكل ذبائحهم ، ولا ينكحوا : تغليبا لحكم شركهم ،
ولا تقبل جزيتهم ، ولا يهادنوا : لأن قبول الجزية
وعقد الهدنة موضوعان للإقرار على الكفر ، والمرتد لا يقر على كفره .
فأما
إذا لحق المرتدون بدار الحرب ، أو انفردوا بدار صارت لهم كدار أهل الحرب ، فقد اختلف الصحابة رضي الله عنهم في جواز سبيهم واسترقاقهم .
فذهب
علي بن أبي طالب رضوان الله عليه : إلى جواز سبيهم واسترقاقهم ، كأهل الحرب اعتبارا بحكم الكفر ، وبه قال شاذ من الفقهاء .
وذهب
أبو بكر رضي الله عنه : إلى تحريم سبيهم واسترقاقهم : تغليبا لحرمة ما تقدم من إسلامهم ، كما يحرم سبيهم واسترقاقهم في دار الإسلام ، وبه أخذ
الشافعي وأكثر الفقهاء .
فإن قيل : فقد سبى
أبو بكر رضي الله عنه
بني حنيفة حين ارتدوا مع
مسيلمة .
قيل : إنما سباهم سبي قهر وإذلال : لتضعف بهم قوتهم ، ولم يكن سبي غنيمة واسترقاق .
وسواء في ذلك الرجال والنساء .
وقال
أبو حنيفة : يجوز استرقاق المرتدة إذا لحقت بدار الحرب ، ولا يجوز استرقاق المرتد .
واستدل على ذلك بأن
علي بن أبي طالب عليه السلام استرق من سبي
بني حنيفة أم ابنه
محمد وأولدها .
[ ص: 169 ] وبناه
أبو حنيفة على أصله في أن المرتدة لا تقتل كالحربية ، فجاز استرقاقها : لاستوائهما في حظر القتل عنده ، وهذا قد تقدم الكلام معه فيه .
ثم من الدليل عليه أن كل دين منع من استرقاق الرجل منع من استرقاق المرأة ، كالإسلام طردا ، والكفر الأصلي عكسا .
فأما ما حكاه من استرقاق علي أم ولده
محمد ابن الحنفية ، ففيه ثلاثة أجوبة :
أحدها : - وهو قول
أبي علي بن أبي هريرة - أنه كان مذهبا له ، وقد خالفه فيه غيره ، فصار خلافا لا يقع الاحتجاج به .
والثاني : - وهو قول
الواقدي - أنها كانت أمة سوداء سندية
لبني حنيفة ، وكان
خالد بن الوليد قد صالحهم على إمائهم .
والثالث : وهو الأظهر : أنها كانت حرة تزوجها
علي عليه السلام برضاها ، فأولدها بالزوجية دون ملك اليمين ، وهو الأشبه بأفعاله رضوان الله عليه وسلامه .