فصل :
فإذا تقرر : أن
نقض أمانه لا يكون نقضا لأمان ما خلفه من ذريته وماله ، فسواء حاربنا بعد لحوقه بدار الحرب أو كف عنا ، يجب علينا حفظ ذريته وماله ، وتقرر الذرية إلى أن يبلغوا ، سواء كان المعاهد حيا أو ميتا .
فإذا بلغوا : خيرهم الإمام بين المقام في دار الإسلام وبين العود إلى دار الحرب ، فإن اختاروا العود إلى دار الحرب لزمه أن يبلغهم مأمنهم ، ثم يكونوا بعد بلوغهم حربا . وإن اختاروا المقام في دار الإسلام أقرهم فيها على إحدى حالتين :
إما بجزية يبذلونها ، أو بعهد يستأنفونه .
لأن أمانهم بالعهد مقدر بعد البلوغ ، وغير مقدر قبل البلوغ ، فيجوز أمانهم قبل البلوغ بسنين كثيرة ، ولا يجوز أن يبلغ أمانهم بعد البلوغ سنة : لأنهم قبل البلوغ من غير أهل الجزية ، وهم بعد البلوغ من أهلها .
وأما ماله : فمقر على ملكه ما بقي حيا على حريته ، وله إن تغيرت حاله حالتان :
إحداهما : أن يموت .
والثانية : أن يسترق .
فإن مات أو قتل : ففي ماله قولان :
أحدهما : يغنم فيئا لبيت المال : لاختصاصه بالأمان على ماله دون ورثته .
والقول الثاني : يكون موروثا عنه لورثته من أهل الحرب دون أهل الذمة : لأن
أهل الذمة وأهل الحرب لا يتوارثون : لارتفاع الموالاة بينهم ، وإنما كان ماله باقيا على ورثته : لأنهم يقومون فيه مقامه ، فانتقل إليهم بحقوقه ، والأمان من حقوق المال ، فصار موروثا كالمال ، فإن مات الوارث انتقل إلى وارثه كذلك أبدا .
[ ص: 175 ] وإن استرق مالك المال فالاسترقاق يزيل الملك كالموت ، ففي المال قولان :
أحدهما : يغنم فيئا لبيت المال .
والقول الثاني : يكون موقوفا لا ينتقل إلى وارثه : لأنه حي ، ولا إلى مسترقه : لأنه مال له أمان ، وروعيت حاله بعد الاسترقاق .
فإن عتق دفع المال إليه ببقديم ملكه .
وإن مات عبدا ففي ماله قولان ، حكاهما
ابن أبي هريرة :
أحدهما : يكون مغنوما لبيت المال فيئا ، ولا يكون موروثا : لأن العبد لا يورث .
والقول الثاني : يكون لورثته : لأنه ملكه في حريته فانتقل إلى ورثته بحكم الحرية ، حتى جرى على بقاء ملكه حكم الحرية . والله أعلم .