مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " ولو شهد عليه شاهدان بالردة فأنكره ، قيل : إن أقررت بأن لا إله إلا الله ، وأن
محمدا رسول الله ، وتبرأ من كل دين خالف دين الإسلام ، لم يكشف عن غيره " .
قال
الماوردي : إذا
شهد شاهدان على رجل بالردة لم تسمع شهادتهما عليه مطلقة حتى يصفا ما سمعاه من قوله الذي يصير به مرتدا ، وسواء كانا من أهل العلم أو لم يكونا من أهله : لاختلاف الناس فيه . كما لا تسمع شهادتهما بالجرح حتى يصفا ما يكون به مجروحا .
فإذا ثبت الشهادة ، سألناه عنها ، ولم يعرض لقتله قبل سؤاله : لجواز أن يكون قد تاب منها أو سيتوب .
فلو قتله قاتل قبل سؤاله عزر ولا قود عليه ولا دية : لثبوت ردته إلا أن يقيم وليه البينة أنه تاب من ردته فيحكم بإسلامه ، ويسأل القاتل ، فإن علم بإسلامه ، وجب عليه القود .
[ ص: 178 ] وإن لم يعلم بإسلامه ، ففي وجوب القود وجهان :
أحدهما : لا قود عليه ، وعليه الدية : لأن تقدم ردته شبهة .
والوجه الثاني : عليه القود : لأنه عمد قتل نفس محظورة .
وإذا كان باقيا بعد الشهادة عليه بالردة ، وسئل عنها ، لم يخلو جوابه من اعتراف بها أو إنكار لها .
فإن اعترف بها استتبناه ، فإن تاب وإلا قتلناه .
وإن أنكرها ، قيل له : إنكارك لها مع قيام البينة بها تكذيب لشهود عدول ، لا ترد شهادتهم بالتكذيب ، وليس يلزمك الإقرار بها ، ولك المخرج من شهادتهم بإظهار الإسلام .
فإذا أظهره : زالت عنه الردة وجرى عليه حكم الإسلام .
فقد
شهد شهود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم من المنافقين بكلمة الكفر ، فأحضرهم وسألهم ، فمنهم من اعترف وتاب ، ومنهم من أنكر وأظهر الإسلام ، فكف عن الفريقين ، وأجرى على جميعهم حكم الإسلام .
فإذا
أظهر المشهود عليه الإسلام - على ما سنذكره - قال
الشافعي : لم يكشف عن غيره . ويحتمل ذلك منه تأويلين :
أحدهما : لم يكشف عما شهد به الشهود من ردته .
والثاني : لم يكشف عن باطن معتقده : لأن ضمائر القلوب لا يؤاخذ بها إلا علام الغيوب .
روي أن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه ارتاب برجل في الردة ، فأظهر الإسلام .
فقال له
عمر : أظنك متعوذا به .
فقال : يا أمير المؤمنين أما لي في الإسلام معاذ ؟
فقال له
عمر : بلى ، إن لك في الإسلام لمعاذا .