فصل :
فأما
المكره على الكفر والردة بالقتل ، فموسع له بين الإمساك عن كلمة الكفر والصبر على القتل ، وبين التلفظ بكلمة الكفر استدفاعا للقتل .
فقد
أكرهت قريش بمكة عمار بن ياسر وأبويه على الكفر ، فامتنع منه أبواه فقتلا ، وتلفظ عمار بالكفر فأطلق ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعذر عمارا وترحم على أبويه .
وقيل : إنه نزل فيه :
إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان [ النحل : 106 ] .
فإن قيل : فأي الأمرين أولى به ؟
قيل : يختلف باختلاف حال المكره .
فإن كان ممن يرجى منه النكاية في العدو أو القيام بأحكام الشرع ، فالأولى به أن يستدفع القتل بإظهار كلمة الكفر .
وإن كان ممن يعتريه من ضعف بصيرته في الدين ، أو يمتنع به من أراد الإسلام من المشركين ، فالأولى به الصبر على القتل والامتناع من إظهار كلمة الكفر .
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
إن في الجنة لقصرا لا يسكنه إلا نبي أو صديق أو محكم في نفسه .
فقيل : إن المحكم : هو الذي يخير بين الكفر والقتل ، فيختار القتل على الكفر .
فإن تلفظ بكلمة الكفر ، فله في التلفظ بها ثلاثة أحوال :
إحداهن : أن يتلفظ بلسانه وهو معتقد للإيمان بقلبه ، فهو على إسلامه ، وليس لتلفظه حكم إلا استدفاع القتل : لقول الله تعالى :
إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان [ النحل : 106 ] ، وهذا مطمئن القلب بالإيمان .
والحال الثانية : أن يتلفظ بلسانه معتقدا له بقلبه ، فهذا مرتد : لأنه وإن أكره على التلفظ فلم يكره على الاعتقاد ، فصار ممن قال الله تعالى فيه :
ولكن من شرح بالكفر صدرا أي يسقط حكم الإكراه بالاعتقاد .
والحال الثالثة : أن يتلفظ بلسانه مطلقا من غير أن يقترن به اعتقاد إيمان ولا كفر ، ففيه وجهان :
أحدهما : يكون على إسلامه : لأن ما حدث من الإكراه معفو عنه .
والوجه الثاني : أن يكون مرتدا حتى يدفع حكم لفظه بمعتقده : لأنه لا عذر له في تركه .
[ ص: 181 ] وهكذا المكره على الطلاق ، تعتبر فيه هذه الأحوال الثلاث في لفظه ومعتقده .