فصل :
فإذا تقرر ما وصفنا من حال الزنا واستقراره على رجم الثيب وجلد البكر ، فلا يخلو حال الزاني من أحد أمرين :
إما أن يكون بكرا أو ثيبا على ما سنصفه من حال البكر والثيب . فإن كان ثيبا
ويسمى الثيب محصنا فحده
الرجم دون الجلد .
وذهب
الخوارج إلى أن عليه جلد مائة دون الرجم ، تسوية بين البكر والثيب : احتجاجا بظاهر القرآن ، وأن الرجم من أخبار الآحاد وليست حجة عندهم في الأحكام .
وقال
داود بن علي ، وأهل الظاهر : عليه جلد مائة والرجم ، فجمعوا عليه بين الحدين : احتجاجا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=924627خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا ، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " .
وبرواية
قتادة ، عن
الشعبي أن
شراحة الهمدانية أتت
عليا عليه السلام ، فقالت : قد زنيت . قال : لعلك غيراء ، لعلك رأيت رؤيا . قالت : لا . فجلدها يوم الخميس ، ورجمها يوم الجمعة ، وقال : جلدتها بكتاب الله ، ورجمتها بسنة رسول الله . ولأن حد الزنا يوجب الجمع بين عقوبتين كالبكر يجمع له بين الجلد والتغريب .
وذهب
الشافعي وأبو حنيفة ومالك وجمهور الفقهاء : إلى آية الرجم دون الجلد .
والدليل على وجوب الرجم : - بخلاف ما قاله
الخوارج - ما قدمناه من الأخبار عن الرسول صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا ، وعن الصحابة نقلا وعملا ، واستفاضته في الناس ، وانعقاد الإجماع عليه حتى صار حكمه متواترا ، وإن كان أعيان المرجومين فيه من أخبار الآحاد ، وهذا يمنع من خلاف حدث بعده .
والدليل على أن الجلد ساقط في رجم الثيب : ما رواه
الشافعي ، عن
مالك ، عن
نافع ، عن
ابن عمر nindex.php?page=hadith&LINKID=924029أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين زنيا ، ولو جلدهما لنقل كما نقل رجمهما .
وروى
عكرمة ، عن
ابن عباس nindex.php?page=hadith&LINKID=924632أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز بن مالك حين أتاه فأقر عنده [ ص: 192 ] بالزنا : لعلك قبلت ، أو غمزت ، أو نظرت . قال : لا . قال : أفعلت كذا وكذا . لا يكني ، قال : نعم . فعند ذلك أمر برجمه .
وروى
أبو سلمة ، عن
جابر بن عبد الله nindex.php?page=hadith&LINKID=924633أن رجلا من أسلم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم اعترف بالزنا فأعرض عنه ، ثم اعترف فأعرض عنه ، حتى شهد على نفسه أربع مرات ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أبك جنون ؟ قال : لا . قال : أحصنت ؟ قال : نعم . فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فرجم بالمصلى ، فلما أذلقته الحجارة فر ، فأدرك فرجم حتى مات .
وروى
أبو المهلب ، عن
عمران بن الحصين nindex.php?page=hadith&LINKID=924634أن امرأة من جهينة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فاعترفت بالزنا ، وقالت : إني حبلى . فدعى النبي صلى الله عليه وسلم وليها ، فقال : أحسن إليها ، فإذا وضعت فائتني بها . ففعل ، فلما وضعت جاء بها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اذهبي فأرضعيه . ففعلت ، ثم جاءت ، فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فشد عليها ثيابها ثم أمر برجمها ، وصلى عليها ، فقال له عمر : يا رسول الله رجمتها ثم تصلي عليها ؟ فقال : لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم ، هل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها ؟ .
وقال - فيما قدمناه من حديث
أبي هريرة - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=924635اغد يا أنيس إلى امرأة هذا ، فإن اعترفت فارجمها " فدلت هذه الأخبار على اقتصاره على الرجم دون الجلد ، وأن ما تضمنه حديث
عبادة بن الصامت من قوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=924636والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " منسوخ لتقدمه على ما رويناه إذا كان هو الأصل في بيان الرجم . ولأن ما وجب به القتل لم يجب به الجلد كالردة .
فأما حديث
علي في جلد
شراحة ورجمها ، ففيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه مرسل : لأن راويه عن
الشعبي ولم يلقه .
والثاني : أنه جلدها : لأنه حسبها بكرا ، ثم علم أنها ثيب فرجمها ، ألا تراه أنه جلدها يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة ، ولولا ذلك لجمع بينهما في يوم واحد . والثابت أنها زنت بكرا فجلدها ، ثم زنت ثيبا فرجمها . ويحتمل أن يكون رجمها في جمعة لا تلي الخميس أو تليه .
[ ص: 193 ] وأما القياس - وإن لم يكن من حجج أهل الظاهر - فالمعنى في الرجم : أنه عام دخل فيه ما دونه ، والجلد خاص جاز أن يقترن إليه التغريب الذي لا يدخل فيه .