فصل :
فإذا ثبت ما ذكرنا من اعتبار الشروط الأربعة ، فجميعها شروط في الحصانة ،
وبكمال الحصانة يجب الرجم ، هذا مذهب
الشافعي وقول جمهور أصحابه .
وذهب شاذ من أصحابه إلى أن شرط الحصانة واحد فيها ، وهو
الإصابة في نكاح صحيح ، والثلاثة الباقية وهي
البلوغ والعقل والحرية ، شروط وجوب الرجم دون الحصانة . وهذا اختلاف مؤثر في الصحيح والمجنون والعبد إذا أصابوا في نكاح صحيح ، ثم زنا الصبي بعد بلوغه ، والمجنون بعد إفاقته ، والعبد بعد عتقه ، فمن جعلها من شروط الحصانة أوجب عليهم الجلد دون الرجم حتى يستأنفوا ، والإصابة في النكاح بعد كمالهم ، ومن جعلها من شروط الرجم أوجب عليهم الرجم بالإصابة المتقدمة قبل
[ ص: 199 ] كمالهم . ولكل واحد من المذهبين وجه . وإذا كانت الإصابة في النكاح الصحيح أصلا في الحصانة لم تحصن الإصابة في نكاح فاسد ، ولا بملك اليمين : لأنها إصابة كمال لاعتبارها في كمال الحد ، فوجب أن يعتبر فيها أكمل أسبابها ، والنكاح أكمل من ملك اليمين : لأمرين :
أحدهما : اختصاصه بالاستمتاع : لأنه لا يجوز أن ينكح من لا يحل له ، ويجوز أن يملك من لا تحل له .
والثاني : أنه أشرف من ملك اليمين وأفضل : لاجتماع الشرائع عليه واستحقاق الميراث به ، فإذا ثبت هذا لم يخل حال الزوجين من أربعة أقسام :
أحدها : أن يكونا كاملين بالبلوغ والعقل والحرية ، فيتحصنا معا فيه بإصابة مرة واحدة ، إذا غاب بها الحشفة في الفرج ، سواء كان عقيبها إنزال أو لم يكن ، فأيهما زنا رجم .
والقسم الثاني : أن يكونا ناقصين معا : لصغر ، أو جنون ، أو رق ، فلا حصانة بهذه الإصابة ما كان النقص باقيا ، فإن زال النقص ففي ثبوت الحصانة بما تقدم من الإصابة ما ذكرناه من الوجهين .
والقسم الثالث : أن يكون الزوج كاملا بالبلوغ والعقل والحرية ، والزوجة ناقصة : لصغر أو جنون أو رق ، فيثبت فيه حصانة الزوج دون الزوجة ، فإن زال نقص الزوجة ففي ثبوت حصانتها بالإصابة المتقدمة وجهان .
والقسم الرابع : أن تكون الزوجة كاملة بالبلوغ والعقل والحرية دون الزوج ، فينظر في نقص الزوج : فإن كان برق أو جنون تحصنت به الزوجة دون الزوج . فإن زال نقص الزوج ، ففي ثبوت حصانته بما تقدم من إصابته وجهان . فإن كان نقص الزوج لصغر ، نظر فإن كان مثله لا يستمتع بإصابته : لطفولته كابن ثلاث سنين أو أربع ، لم يحصنها ولم يتحصن بها . وإن كان ممن يستمتع بمثله كالمراهق ففي تحصينها بإصابته قولان :
أحدهما : - وبه قال في " الإملاء " - لا يحصنها ولا يتحصن بها : لضعف إصابته .
والقول الثاني : - نص عليه في كتاب " الأم " - قد حصنها وإن لم يتحصن بها : لأن المعتبر في الإصابة تغييب الحشفة ، ولا يعتبر فيه القوة والضعف كإصابة الشيخ ، وهذا شرح مذهبنا في كمال الزوجين أو أحدهما .
وقال
أبو حنيفة : إذا كان أحد الزوجين ناقصا لم يتحصن واحد منهما . فنفى الحصانة عن الكامل : لانتفائها عن الناقص .
وقال مالك : إن كان النقص برق لم يتحصن واحد منهما . وإن كان النقص
[ ص: 200 ] بصغر تحصن الكامل منهما . وهذا خطأ : لأنه لما كان كل واحد منهما في الحد معتبرا بنفسه ، وجب أن يكون في الحصانة بمثابته معتبرا بنفسه .