مسألة : قال
الشافعي : " وإن كان البكر نضو الخلق إن ضرب بالسوط تلف ، ضرب بإثكال النخل اتباعا لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في مثله " .
قال
الماوردي : أما إذا كان حد النضو الرجم ، فإنه يرجم لوقته : لأنه لا يرجى زواله وهو في وجوب الرجم كميته . وإن كان حده الجلد ، وهو نضو الخلق ضعيف التركيب ، وإن
كان سليم الخلقة ، فحدث به مرض لا يرجى زواله فأنهكه حتى صار بمنزلة إن ناله ألم الضرب أتلفه ، فهو والمخلوق كذلك سواء في الجلد إذا زنيا . واختلف الفقهاء في حكم جلدهما على ثلاثة مذاهب :
أحدها : وهو مذهب
الشافعي : أنه يعدل عن جلده بالسوط إلى إثكال النخل ، فيجمع منها مائة شمراخ يضرب بها ضربة واحدة ، ولا يعتبر في جلده السوط ولا العدد .
[ ص: 216 ] والثاني : وهو مذهب
مالك : أنه يعتبر في جلده السوط والعدد كغيره .
والثالث : وهو مذهب
أبي حنيفة : أنه يعتبر فيه السوط ولا يعتبر فيه العدد ، فيجمع مائة سوط ويضرب بها دفعة واحدة .
واستدل من جعله كغيره بعموم قول الله تعالى :
الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله [ النور : 2 ] .
ودليلنا : رواية
أبي أمامة أن مقعدا أسود في جوار سعد بن معاذ زنا فأحبل ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلد بأثكال النخل .
وروي
nindex.php?page=hadith&LINKID=924654أن رجلا من الأنصار اشتكى حتى ضني وعاد جلده على عظمه ، فدخلت عليه جارية لبعضهم فهش لها فوقع عليها ، فلما دخل عليه رجال قومه يعودونه أخبرهم ، وقال : استفتوا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له .
وقالوا يا رسول الله : ما رأينا أحدا من الناس به من الضر مثل ما به ، ما هو إلا جلد وعظم . فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذوا مائة شمراخ فيضربوه بها ضربة واحدة .
وهذا نص في هذا الباب ، وبمثل هذا أمر الله تعالى نبيه
أيوب عليه السلام وقد حلف ليضربن زوجته مائة ، فقال :
وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث [ ص : 44 ]
حكى
الشافعي مناظرة جرت بينه وبين من خالفه فيه ، فقال : قال لي بعضهم : لا أعرف الحد إلا واحدا ، وإن كان مضنوءا من خلقته .
قلت له : أترى الحد أكبر أو الصلاة ؟
فقال : الصلاة . قال : كل فرض قد نأمره في الصلاة أن يصلي قائما ، فإن لم يستطع فجالسا ، فإن لم يستطع فعلى جنبه .
فقال : هذا اتباع سنة ، وموضع ضرورة . قلت : فكذلك الجلد اتباع سنة وموضع ضرورة . قال : فقد يتلف الصحيح المحتمل للضرب ، ويعيش النضو الضعيف .
قلت : إنما إلينا الظاهر ، والأرواح بيد الله سبحانه .
وهذا دليل واضح وجواب مقنع .