فصل : [ الشروط المعتبرة في القاذف والمقذوف ]
فإذا ثبت أن حد القذف ثمانون جلدة فهو أكمل حدوده ، وكماله معتبر بشروط في المقذوف وشروط في القاذف .
فأما
الشروط المعتبرة في المقذوف فخمسة : البلوغ ، والعقل ، والحرية ، والإسلام ، والعفة : لأن الله تعالى شرط في حد القاذف إحصان المقذوف ، فقال :
والذين يرمون المحصنات [ النور : 4 ] ، فاعتبر بالبلوغ لنقص الصغر . واعتبر بالعقل لنقص الجنون . واعتبر بالحرية لنقص الرق . واعتبر بالإسلام لنقص الكفر . واعتبر بالعفة لنقص الزنا ، ولقوله تعالى :
ثم لم يأتوا بأربعة شهداء [ النور : 4 ] ، فدل على أنهم إذا أتوا بالشهداء لم يحدوا ، ولقوله تعالى :
إن الذين يرمون المحصنات الغافلات [ النور : 23 ] ، أنه أراد الغافلات عن الفواحش بتركها . وإن
كان المقذوف صغيرا أو مجنونا فلا حد على قاذفها لأمرين :
أحدهما : لنقصانهما عن كمال الإحصان .
والثاني : لأنهما لا يجب عليهما بالزنا حد ، فلم يجب لهما بالقذف حد . وإن
كان المقذوف عبدا فلا حد على قاذفه .
وقال
داود : يحد قاذفه لعموم الظاهر ، ولأنه يحد بالزنا فحد له القاذف بالزنا كالحر . وهذا خطأ : لأن الله تعالى شرط فيه الإحصان وهو منطلق على الحرية والإسلام ، فوجب أن يكونا شرطا فيه ، ولأن فعل الزنا أغلظ من القذف ، فلما منعه نقص الرق من كمال حد الزنا كان أولى أن يمنع من حد قذفه بالزنا ، ولأنه لما منعه نقص الرق أن تؤخذ بنفسه نفس حر كان أولى أن يمنع أن يؤخذ بعرضه عن عوض حر .
فإن قيل : ينبغي إذا قذفه عبد مثله أن يحد لقذفه كما يقتص بقتله .
قيل : هذا لا يلزم : لأن المقذوف قد عدم شرط الإحصان فسقط حد قذفه وإن ساواه القاذف ، كما لو كان غير عفيف فقذفه غير عفيف لم يحد ، وإن استويا في سقوط
[ ص: 156 ] العفة لعدم شرط الإحصان ، وكذلك قذف العبد للعبد .
وأما الجواب عن حده بالزنا : فلأن حد الزنا عليه وحد القذف له ، ونقصه مؤثر في الحق الذي له ، وإن لم يؤثر في الحق الذي عليه ، كالقصاص لا يستحقه على الحر ، ويستحقه عليه الحر .
وهكذا لو
كان المقذوف مدبرا أو مكاتبا أو من رق بعضه وإن قل فلا حد على قاذفه ، سواء ساواه في الرق أو فضل عليه بالحرية ، لكن يعزر للأذى ، وإن كان المقذوف كافرا فلا حد على قاذفه ، سواء كان مسلما أو كافرا : لما ذكرنا من عدم شرط الإحصان فيه ، ولأنه لما لم يأخذ نفس المسلم بنفس الكافر لم يؤخذ عرضه بعرضه ، وهكذا لو كان المقذوف غير عفيف فلا حد على قاذفه ، وسنذكر ما تسقط به العفة من بعد .