فصل :
فإذا ثبت اعتبار العرف فيه فالأحراز تختلف من خمسة أوجه :
أحدها : اختلاف جنس المال ونفاسته على ما بينا .
والثاني : باختلاف البلدان ، فإن كان البلد واسع الأقطار كثير الدعار غلظت أحرازه ، وإن كان صغيرا قليل المار لا يختلط بأهله غيرهم خفت أحرازه .
والثالث : باختلاف الزمن ، فإن كان زمان سلم ودعة خفت أحرازه ، وإن كان زمان فتنة وخوف غلظت أحرازه .
والرابع : باختلاف السلطان ، فإن كان عادلا غليظا على أهل الفساد خفت أحرازه ، وإن كان جائرا مهملا لأهل الفساد غلظت أحرازه .
والخامس : باختلاف الليل والنهار ، فيكون الإحراز في الليل أغلظ : لاختصاصه بأهل العبث والفساد ، فلا يمتنع فيه بكثرة الأغلاق وغلق الأبواب حتى يكون لها حارس يحرسها . وهي بالنهار أخف : لانتشار أهل الخير فيه ، ومراعاة بعضهم بعضا ، فلا تفتقر إلى حراس . وإذا جلس أرباب الأموال في دكاكينهم وأمتعتهم بارزة بين أيديهم كان ذلك حرزا لها ، وإن لم يكن في الليل حرزا .
وجعله ذلك اعتبار شرطين : العرف ، وعدم التفريط .
وقد فصل
الشافعي الأحراز باختلاف الأحوال على حسب زمانه وعرف أهله ، وقد يتغير ذلك باختلاف الزمان وتغير العادات ، فيصير ما جعله حرزا ليس بحرز ، وما لم يجعله حرزا يصير حرزا : لأن الزمان لا يبقى على حال ، وربما انتقل من صلاح إلى فساد ، ومن فساد إلى صلاح : فلذلك
تتغير أحوال الأحراز لكثرتها ، ما يكون معتبرا مع وجود أسبابه وظهور عرفه ، والله أعلم .
[ ص: 283 ]