مسألة : قال
الشافعي : " وإن كانوا ثلاثة فحملوا متاعا فأخرجوه معا يبلغ ثلاثة أرباع دينار قطعوا ، وإن نقص شيئا لم يقطعوا " .
قال
الماوردي : وصورتها في
ثلاثة اشتركوا في نقب حرز وحملوا بينهم ما سرقوه مشتركين في حمله ، فإن بلغت قيمته ثلاثة نصب ، وكانت حصة كل واحد منهم نصابا قطعوا إجماعا ، سواء خف أو ثقل ، وإن كانت قيمته نصابا وحصة كل واحد منهم أقل من نصاب لم يقطعوا ، سواء خف أو ثقل ، وبه قال
أبو حنيفة .
وقال
مالك : إن كان ثقيلا لا يقدر أحدهم على حمله قطعوا ، وإن كان خفيفا يقدر أحدهم على حمله لم يقطعوا في إحدى الروايتين عنه كقولنا ، وقطعوا في الرواية الثانية عنه كالثقل : استدلالا مع عموم الكتاب والسنة بأمرين :
أحدهما : أن قطع السرقة معتبر بشرطين : هتك الحرز ، وسرقة النصاب ، ثم ثبت أنهم لو اشتركوا في هتك الحرز جرى على كل واحد منهم حكم المنفرد بهتكه ، كذلك إذا اشتركوا في سرقة النصاب وجب أن يجري على كل واحد منهم حكم المنفرد بسرقته .
والثاني : أن
الواحد لو سرق نصابا مشتركا بين جماعة قطع ، وإن
سرق الجماعة من الواحد نصابا لم يقطعوا ، وإن سرق كل واحد أقل من نصاب اعتبارا بالقدر المسروق في الموضعين : لأن سرقة الواحد من الجماعة كسرقة الجماعة من الواحد .
ودليلنا : هو أن سرقة كل واحد لم يبلغ نصابا فوجب أن لا يقطع كالمنفرد ، ولأن موجب السرقة شيئان : غرم وقطع ، ثم ثبت أن غرم كل واحد منهم معتبر بنفسه ، فوجب أن يكون قطعه معتبرا بنفسه ، ولأنه لما امتنع إذا سرق الواحد من ثلاثة أحراز نصابا أن يقطع ولا يبنى بعض فعله على بعض ، كان امتناع قطع الثلاثة وإذا سرقوا من
[ ص: 298 ] حرز نصابا أولى ، ولا يبنى فعل بعضهم على بعض : لأنه بأفعال نفسه أخص منه بأفعال غيره .
فأما الجواب عن استدلالهم بهتك الحرز : فهو أن المقصود بهتكه الوصول إلى السرقة ، وقد حصل هذا المقصود بالمشاركة كحصوله بالانفراد فاستويا ، والمقصود بالسرقة : تملك المال المسروق والاشتراك في النصاب ، فخالف للتفرد به ، فلذلك لم يقطعوا . فأما الجواب عن السرقة من مال مشترك بين جماعة : فهو أن سرقته منهم بلغت نصابا فلذلك قطع ، وإذا اشترك الجماعة لم تبلغ سرقة أحدهم نصابا فلذلك لم يقطعوا .