مسألة : قال
الشافعي ، رحمه الله تعالى : "
ويؤمهم أقرؤهم ، وأفقههم ، لقوله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=921636يؤم القوم أقرؤهم فإن لم يجتمع ذلك في واحد فإن قدم أفقههم إذا كان يقرأ ما يكتفى به في الصلاة فحسن ، وإن قدم أقرؤهم إذا علم ما يلزمه فحسن ، ويقدم هذا على أسن منهما وإنما قيل : يؤمهم أقرؤهم أن من مضى كانوا يسلمون كبارا فيتفقهون قبل أن يقرءوا ، ومن بعدهم كانوا يقرءون صغارا قبل أن يتفقهوا ، فإن استووا أمهم أسنهم ، فإن استووا فقدم ذو النسب فحسن ، وقال في القديم : فإن استووا فأقدمهم هجرة ، وقال فيه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921680الأئمة من قريش [ ص: 352 ] قال
الماوردي : وهو كما قال : ينبغي أن
يتقدم إلى الإمامة من جمع أوصافها ، وهي خمسة : القراءة ، والفقه ، والنسب ، والسن ، والهجرة بعد صحة الدين ، وحسن الاعتقاد ، فمن جمعها ، وكملت فيه فهو أحق بالإمامة ممن أخل ببعضها : لأن الإمامة منزلة اتباع واقتداء فاقتضى أن يكون متحملها كامل الأوصاف المعتبرة فيها ، فإن لم تجتمع في واحد فأحقهم بالإمامة من اختص بأفضلها ، وأولها الفقه والقراءة أولى بالإمامة ، وأحق بالتقدم من الشرف ، والسن ، والهجرة ، وإنما كان الأقرأ ، والأفقه أولى بالإمامة من الشرف والسن وقديم الهجرة إذا لم يكونوا فقهاء ولا قراء ، لما روى
عمرو بن سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921635يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله عز وجل ولما روى
أبو مسعود بن عتبة بن عامر البدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=921681أحق الناس بالإمامة أقرؤهم لكتاب الله عز وجل ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ، وإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة وإن الفقه والقراءة يختصان بالصلاة لأن القراءة من شرائطها ، والفقه لمعرفة أحكامها والنسب والسن لا تختص به الصلاة ، فكان تقديم ما اختص بالصلاة أولى ، فإذا ثبت صح بما ذكرنا تقديم الأقرأ ، أو الأفقه ، فالفقيه إذا كان يحسن الفاتحة أولى بالإمامة من القارئ : لأن ما يجب من القراءة محصور ، وما يحتاج إليه من الفقه غير محصور : لكثرة أحكامها ، ووقوع حوادثها .
وإن قيل هذا يخالف قوله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=921639يؤمكم أقرؤكم " ، قلنا : هذا غير مخالف له : لأن ذلك خطاب للصحابة ، رضي الله عنهم ، وهو خارج على حسب حالهم ، وكان أقرؤهم في ذلك الزمان أفقههم ، بخلاف هذا الزمان ، لأنهم كانوا يتفقهون ، ثم يقرءون ومن في زماننا يقرءون ، ثم يتفقهون .
والدليل على ذلك ما روي عن
ابن عمر أنه قال : ما كانت تنزل السورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ونعلم أمرها وزجرها ونهيها ، والرجل اليوم يقرأ السورة من أولها إلى آخرها ولا يعرف من أحكامها شيئا ، وقال
ابن مسعود : ما كنا نجوز على عشر آيات حتى نعرف حلالها ، وحرامها ، وأمرها ، ونهيها ، فإذا تقرر تقديم الأفقه ، ثم الأقرأ فاستووا في الفقه ، والقراءة فلا يختلف المذهب أن
ذا النسب الشريف أولى من ذي الهجرة القديمة .
وهل يكون أولى من ذي النسب على قولين :
أحدهما قاله في القديم : إن
ذا النسب الشريف أولى من المسن لقوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921680الأئمة من [ ص: 353 ] قريش وقوله صلى الله عليه وسلم :
قدموا قريشا ، ولا تتقدموها ، وتعلموا منها ولا تعلموها .
والقول الثاني قاله في الجديد : إن المسن أولى من ذي النسب لرواية
مالك ، عن
الحويرث أن النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=921683قال للرجلين اللذين أتياه : أذنا ، وأقيما ، وليؤمكما أكبركما وقال صلى الله عليه وسلم :
الشيب وقار وإن الله تبارك وتعالى يقول : إني لأستحي من عبدي ، وأمتي يشيبان في الإسلام أن أعذبهما بالنار ولأن المسن أسكن نفسا ، وأكثر خشوعا لكثرة صلاته ، وقلة شهواته ، فإن استوت أحوالهم ، واتفقت أصواتهم فهم في الإمامة سواء .
ومن أصحابنا من قال : يقدم أحسنهم وجها : لرواية
إسماعيل بن عياش ، عن
هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن
عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
يؤمكم أحسنكم وجها ، فإنه أحرى أن يكون أحسنكم خلقا .