فصل :
فأما إذا
سرق أستار الكعبة وهي مخيطة عليها محفوظة بها قطع بها ، نقله
الحارث بن سريج النقال عن
الشافعي في القديم وليس له في الجديد ما يخالفه وكذلك آلة المساجد المحرزة فيها إما بأبوابها أو بقوامها أو بكثرة الغاشية والمصلين فيها ، يقطع فيها إذا كانت معدة للزينة كالستور والقبل ، أو للأحراز كالصناديق والأبواب ، فأما
إن كانت معدة لانتفاع المصلين بها كالحصر والبواري والقناديل ففي قطع سارقها وجهان :
أحدهما : وهو قول البغداديين : أنه لا يقطع لاشتراك الكافة فيها ، فأشبه مال بيت المال .
والوجه الثاني : وهو قول
البصريين : أنه يقطع كأستار
الكعبة وما أعد للزينة .
وقال
أبو حنيفة : لا يقطع في شيء من ذلك كله ، وبه قال
أبو علي بن أبي هريرة : لأمرين :
أحدهما : لاشتراك الكافة فيها كأموال بيت المال .
والثاني : أنه لا يتعين فيه خصم مطالب .
ودليلنا : مع عموم الكتاب والسنة ما رواه
الحسن البصري أن أول من صلب في الإسلام رجل من بني عامر بن لؤي سرق كسوة الكعبة ، فصلبه النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا يحتمل أن يكون قد صلبه : لأنه جعله ممن سعى في الأرض فسادا .
وروي أن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه قطع سارقا سرق من أستار
الكعبة ، وأن
عثمان بن عفان رضي الله عنه قطع سارقا سرق قطيفة من منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس يعرف لهما مخالف ، فكان إجماعا .
ولأنه مال يضمن باليد ، ويغرم بالإتلاف ، فجاز أن يجب فيه القطع كسائر الأموال ، ولأن القطع حق لله تعالى ، فإذا وجب في حقوق الآدميين فأولى أن يجب في حقوق الله تعالى : لأن تحريمها أغلظ وتملكها محرم .
فأما استدلالهم بمال بيت المال : فقد تقدم الجواب عنه . وأما استدلالهم بالخصم فيه : فهو حق لكافة المسلمين والإمام ينوب عنهم فيه .
[ ص: 307 ]