فصل :
وإذا
سرق ثيابا من حمام ، فعلى ضربين :
أحدهما : أن يكون صاحب الثياب خلعها وألقاها في الحمام ولم يودعها حافظا ، فلا قطع على سارقها : لأنها في غير حرز ويضمنها .
والضرب الثاني : أن يودعها عند الحمامي أو عند غيره من المستحفظين ، فإن غفل عن حفظها حتى سرقت ، فالضمان على من فرط في الحفظ ، ولا قطع على
[ ص: 310 ] السارق . وإن لم يغفل عن الحفظ ولا فرط فيه ، فلا ضمان على من يحفظها ، ويقطع سارقها .
وقال
أبو حنيفة : لا يقطع احتجاجا بأن الدخول إلى الحمام مأذون فيه ، فلم يكن حرزا . وهذا خطأ : لأن الأحراز معتبرة بالعرف ، والعرف جار بأن الحمام حرز لثياب داخلية ، وليس الإذن في دخوله بمانع من أن يكون حرزا ، فإن المسجد أعم دخولا وأكثر غاشية ، وهو حرز لمن نام فيه ووضع ثوبه تحت رأسه ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قطع سارق رداء صفوان ، وقد نام في المسجد ووضعه تحت رأسه .
فإن قيل : الإذن في دخول الحمام موقوف على صاحبه ، فجرى مجرى البيوت إذا أذن ربها بالدخول إليها ، لم يكن حرزا لمن دخلها ، والمساجد لا يقف الإذن فيها على أحد بعينه ، فجرى مجرى الطرقات التي تكون حرزا للأمتعة التي فيها مع أربابها .
قيل : صحة هذا الفرق يوجب عكس الحكم في أن يكون الحمام حرزا ، والمسجد غير حرز : لأن دخول المسجد حق لداخله ، ودخول الحمام حق لصاحبه : لأنه يدخل إلى المسجد بغير إذن ولا يدخل إلى الحمام إلا بإذن ، وعكس الحكم مدفوع ، فصار الفرق مطرحا ، فإذا ثبت استواء المسجد والحمام في الحرز على الوجه الذي بيناه ، كان القطع في السرقة من المسجد معتبرا بأخذه من تحت صاحبه إن كان نائما ، فإن لم يكن تحته فليس بمحرز إلا أن يكون مستيقظا ، فيكون حرزا لما بين يديه وما يمتد إليه بصره مما قاربه ، ولا يعتبر خروجه من المسجد في وجوب القطع .
فأما الحمام : فهل يعتبر في قطع السارق منه خروجه من الحمام أم لا ؟ على وجهين : أحدهما : لا يعتبر كالمسجد ، ويقطع إذا أخذ الثياب من موضعها .
والوجه الثاني : أن يعتبر فيه خروجه من الحمام ، ولا قطع عليه ما لم يخرج منه : لأنه حرز خاص والمسجد عام .