فصل :
فإن
رجع عن إقراره لم يقبل رجوعه في الغرم : لأنه من حقوق الآدميين ، وفي قبول رجوعه في سقوط القطع قولان :
[ ص: 333 ] أحدهما : وهو ظاهر كلامه في هذا الموضع أنه يقبل رجوعه ويسقط عنه القطع كالزنا .
والقول الثاني : أنه لا يقبل رجوعه ويقطع ، كما لا يقبل رجوعه عن القذف في سقوط الحد ، ولأن السرقة يتعلق بها حق آدمي لا يقبل رجوعه فيه ، فكان حق الله تعالى في القطع تبعا له ، بخلاف الزنا المختص بحق الله تعالى وحده . فإن رجع عن الإقرار بشرب الخمر سقط عنه الحد قولا واحدا كالزنا : لاختصاصه بحق الله تعالى وحده .
فإذا تقرر توجيه القولين .
فإن قيل : بأن رجوعه غير مقبول قطع ، فإن هرب لم يطلب .
روى
عطاء بن السائب ، عن
ميسرة قال : جاء رجل وأمه إلى
علي عليه السلام ، فقالت الأم : إن ابني هذا قتل زوجي . فقال الابن : إن عبدي وقع على أمي . فقال
علي : إن تكوني صادقة يقتل ابنك ، وإن يكن ابنك صادقا نرجمك . ثم قام
علي عليه السلام للصلاة ، فقال الغلام لأمه : ما تنتظرين أن يقتلني أو يرجمك فانصرفا ، فلما صلى سأل عنهما ، فقيل : انطلقا . فلم يطلبهما . وإن قيل : إن رجوعه مقبول ، لم يخل السارق عند رجوعه من ثلاثة أحوال :
أحدها : أن يكون قد قطع ، فلا يكون لرجوعه تأثير .
والحال الثانية : أن يكون سليما لم يقطع ، فسقط القطع عنه ، فإن قطع بعد ذلك كانت جناية من قاطعه يؤخذ بحكم جنايته .
والحال الثالثة : أن يكون بعد الشروع في القطع وحز السكين في يده ، فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يمكن بقاؤها على زنده بعد عمل السكين فيها ، فالواجب أن تستبقى ولا تفصل من زنده ، سواء انتفع بها أو لم ينتفع إذا لم يستضر بها .
والضرب الثاني : أن لا يمكن بقاؤها على زنده لانفصال أكثرها ، فلا تلزم إبانتها في حق السرقة لسقوطه عنه ، وقيل له : إن شئت أن تفعل ذلك في حق نفسك ومصلحة جسدك فافعل ، وإن تركتها على حالها لم تمنع .
فإن أقر بالسرقة نفسان عن اشتراك فيها ، ثم رجع عنها أحدهما دون الآخر ، سقط القطع عن الراجع منهما دون الآخر : لأن لكل واحد منهما حكم نفسه وإن اشتركا .