مسألة : قال
الشافعي : " فإن ادعى أن هذا متاعه غلبه عليه وابتاعه منه أو أذن له في أخذه ، لم أقطعه : لأني أجعله له خصما ، لو نكل صاحبه أحلفت المشهود عليه ودفعته إليه " .
قال
الماوردي : وصورتها : أن
يشهد شاهدان على رجل بسرقة مال من حرز بعد الدعوى عليه . فإن أكذب الشاهدين لم يكن لإكذابه تأثير : لما في إكذابه من جرح من ثبتت عدالته ، وحكم عليه بالغرم والقطع . فإن سأل إحلاف المدعي بعد الشهادة لم يحلف : لما في يمينه من جرح الشهود . وإن لم يكذبهما
وادعى أن المال الذي أخذه من حرزه هو ماله ، غصب عليه صاحب الحرز ، أو كان وديعة له عنده ، أو عارية ، أو وهبه له ، وأذن له في قبضه ، فقبضه من الحرز عن إذنه ، فهذه الدعوى منه مجوزة ، وليس فيها قدح في الشهادة : لأن شهادة الشاهدين على ظاهر فعله ، وهذا باطن محتمل ، فصار كشاهدين شهدا على رجل بدين فادعى دفعه ، سمعت دعواه ولم يقدح في الشهادة . وإذا كان كذلك سئل المسروق منه عما ادعاه السارق ، فإن صدقه عليه سقط عنه الغرم والقطع ، وإن أكذبه عليه ، فإن كان للسارق بينة حكم بها . وبينته : شاهدان ، أو شاهد وامرأتان ، أو شاهد ويمين : لأنها بينة لإثبات مال محض ولا غرم عليه ولا قطع ، وما بيده ملك له ببينته . وإن عدم البينة كان القول قول المسروق منه مع يمينه : لثبوت يده على المال المسروق ، فإن حلف استحق المال ، فإن كان باقيا انتزعه ، وإن كان تالفا رجع بغرمه .
ومذهب
الشافعي المنصوص عليه : أنه لا يقطع السارق : لأنها شبهة له من وجهين :
أحدهما : لاحتمال صدقه فيها .
والثاني : أنه لو تلف بعد نكول المسروق منه ، حكم له بملكها ، والحدود تدرأ بالشبهات . وفيه وجه آخر اختاره
أبو إسحاق المروزي : أنه يقطع ولا تكون هذه الدعوى شبهة في سقوط القطع : لأنها تفضي إلى أن لا يقطع معها سارق ، فتفضي إلى إسقاط حدود الله تعالى . وهذا فاسد من وجهين :
أحدهما : أنه إثبات حد بشبهة ، والحدود تسقط بالشبهة ولا تثبت بها .
والثاني : اتفاقهم أنه لو ثبت عليه الزنا ، فادعى زوجته المزني بها ، سقط الحد وإن لم تثبت دعواه . ولا يجوز أن يقال : لا يسقط الحد بهذه الدعوى : لأنها تفضي إلى إسقاط الحدود ، وكذلك القطع في السرقة . فأما إذا نكل المسروق منه عن اليمين في
[ ص: 339 ] دعوى السارق ، ردت اليمين على السارق ، فإذا حلف حكم له بملك ما سرق ، ولم يجب عليه قطع ، كزوج القاذف إذا لاعن سقط الحد عنه بإبهامه .
ولو كانا سارقين ، فادعى أحدهما أنها ملكه دون الآخر ، سقط القطع عن مدعيها ولم يسقط عن الآخر ، سواء تصادق السارقان عليها أو تكاذبا : لأن شبهة أحدهما لا تقف على شبهة الآخر .