مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : "
وإن لم يحضر رب المتاع ، حبس السارق حتى يحضر " .
قال
الماوردي : قد مضت هذه المسألة في حبس السارق إذا كان المسروق منه غائبا لم يعجل قطعه ، وهو مذهب
الشافعي ، فإنه يحبس ما لم تطل غيبة ربها إذا كانت السرقة مستهلكة . وفي حبسه إذا كانت باقية وجهان . فإن كانت غيبة ربها بعيدة لم يحبس : لأنه لا تعلم عودته ، ثم ينظر فإن كان الحبس مستحقا لغرم السرقة طولب بكفيل وأطلق . وإن كان لأجل القطع ، لأن العين قائمة وضعت السرقة في يد أمين ولم يطالب بكفيل : لأن حدود الله تعالى لا تصح فيها الكفالات . فلو امتنع رب السرقة من إقامة كفيل ، حبس على إقامة الكفيل لا على قدوم الغائب . فإن بذل غرم السرقة لم يحبس ولا يكفل : لأن بذل الغرم أقوى من الكفالة ، وأطلق ووضع الغرم على يد أمين .
مسألة قال
الشافعي رضي الله عنه : " ولو شهد رجل وامرأتان أو شاهد ويمين على سرقة ، أوجبت الغرم في المال ولم أوجبه في الحد " .
قال
الماوردي : وهو الصحيح : لأن في السرقة حقين :
أحدهما : لآدمي وهو المال .
والثاني : لله تعالى وهو القطع .
والأموال تستحق بشاهد وامرأتين ، وشاهد ويمين . والحد لا يجب إلا بشاهدين ، فإذا شهد على السارق شاهد وامرأتان ، أو شاهد ويمين ، وجب الغرم ولم يجب القطع .
فإن قيل : فقتل العمد يوجب القود والدية ، فهلا إذا شهد به رجل وامرأتان يحكم عليه بالدية : لأنها مال ، ولا يحكم بالقود : لأنه حد ؟
قيل : لا يحكم ذلك إلا في قتل العمد : لوقوع الفرق بينهما : لأن الدية بدل من القود : لأنهما لا يجتمعان فلم تثبت الدية إلا بثبوت القود . وليس الغرم بدلا من القطع : لأنهما يجتمعان ، فجاز أن يثبت الغرم وإن لم يثبت القطع .
[ ص: 340 ] فإن قيل : فالهاشمة فيها قصاص في موضحتها ، ودية في هشمها ، أفتحكمون بدية الهشم إذا شهد به رجل وامرأتان ؟
قيل : لا تحكم ذلك .
والفرق بينهما : أن حكم الهاشمة استحقاق القصاص في موضحتها ، والدية في هشمها ، ولا ينفرد استحقاق أحدهما عن الآخر ، فإذا امتنع استحقاق القود امتنع استحقاق الدية ، ولذلك قلنا : إقرار بعض الورثة بوارث إذا منع من ثبوت النسب منع استحقاق الميراث : لأنه لا يستحق إلا بثبوته ، وليست السرقة كذلك : لأن الغرم فيها قد يستحق وإن لم يستحق فيها القطع ، كالوالد إذا سرق من ولده ، فجاز أن يثبت الغرم بها ولا يثبت به القطع ، وكذلك قلنا : فيمن حلف بالطلاق أنه لا دين عليه ، فيشهد عليه بالدين رجل وامرأتان حكمنا عليه باستحقاق الدين : لأنه يثبت برجل وامرأتين ، ولم نحكم عليه بالطلاق : لأنه لا يثبت إلا بشاهدين . ولو شهد بالدين شاهدان حكمنا عليه بالدين والطلاق ، هذا أصلا مستمرا .