مسألة : قال
الشافعي : "
ولا يقطع من سرق من مال ولده وولد ولده ، أو أبيه أو أمه أو أجداده ، من قبل أيهما كان " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال ، لا قطع على من سرق من مال أحد والديه وإن علوا من الآباء والأمهات والأجداد والجدات ، ولا من مال أحد من مولوديه وإن سفلوا
[ ص: 348 ] من البنين والبنات ، وبني البنين وبني البنات ، وهو قول جمهور الفقهاء . وقال
داود : يقطع الأب في مال ابنه والابن في مال أبيه : تمسكا بعموم الظاهر . وقال قوم يقطع الابن في مال أبيه ، كما يقتل به ويحد بقذفه . ولا يقطع الأب في مال ابنه ، كما لا يقتل به ولا يحد بقذفه .
ودليلنا ، قول الله تعالى :
فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما [ الإسراء : 23 ] ، فكان بالقطع أغلظ وبالنهي أحق .
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924727أولادكم من كسبكم فكلوا من طيبات كسبكم .
وروى
محمد بن المنكدر ، عن
جابر ،
أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ابن له ، فقال الابن : يا رسول الله ، هذا أبي يأخذ مالي فيتلفه بغير إذني . فقال الرجل : سله يا رسول الله ، هل أنفقه إلا على إحدى عماته أو خالاته ؟ ثم هبط جبريل صلى الله عليه وسلم فقال : سله عن شعره الذي لم تسمعه أذناه . فسأله عنه ، فقال : يا رسول الله ، والله ما سمعته أذناي ، وإن الله ليزيدنا بك بيانا ، ثم أنشده شعره في ابنه فقال :
غذوتك مولودا وعلتك يافعا تعل بما أدني عليك وتنهل إذا ليلة نابتك بالشكو لم أبت
لشكواك إلا ساهرا أتململ كأني أنا المطروق دونك بالذي
طرقت به دوني وعيني تهمل تخاف الردى نفسي عليك وإنها
لتعلم أن الموت حتم مؤجل فلما بلغت السن والغاية التي
إليها مدى ما كنت فيك أؤمل جعلت جزائي منك جبها وغلظة
كأنك أنت المنعم المتفضل فليتك إذ لم ترع حق أبوتي
فعلت كما الجار المجاور يفعل
قال : فعلق رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلابيب الغلام وقال : أنت ومالك لأبيك وهذا يمنع من القطع ، ولأن لكل واحد من الوالد والولد شبهة في مال الآخر : لوجوب نفقته فيه ، ولولاية الأب على مال ولده ، فسقط القطع بينهما ، ولأن بوجود البعضية بينهما يجري
[ ص: 349 ] مجرى نفسه فلم يقطع في حق نفسه ، ولأن القطع في المال يجب عند الأخذ له والمأخوذ منه ، وولده أحب إليه وأعز عليه من ماله ، فعدم فيه معنى القطع فسقط عنه .
فأما الاقتصاص من الولد بالوالد ، ولا يقطع في مال الوالد .
فالفرق بينهما : أن وجوب النفقة شبهة في القطع ، وليس بوجوبها شبهة في القصاص ، فافترقا . وإنما لم يقتص من الوالد بالولد : لانتفاء التهمة عنه . واقتص من الولد بالوالد : لوجود التهمة فيه . وإذا لم يقطع واحد منهما في مال الآخر ، لم يقطع عبد واحد منهما إذا سرق مال الآخر ، كما ذكرنا من أن يد عبده كيده .